قطع المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية، خطوات نوعية في تنظيم شهادة الدكتوراه، مستنداً الى نظام داخلي يعزز شروطها الأكاديمية، وأطلق فرقاً بحثية تقيم التقارير والبحوث من كل الاختصاصات.
يعمل المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الانسانية والاجتماعية بنظام داخلي جديد، نشرته “النهار” في عددها في كانون الثاني 2014، ينظم عمل المعهد ادارياً وبحثياً وأكاديمياً لتمنح الشهادات وفق آلية أكاديمية متقدمة، والأهم في ما تضمنه فتح المسارات. وقد أقر النظام الداخلي من اللجنة العليا للمناهج والبرامج ووقعه رئيس الجامعة في وقت سابق، ليسير وفق فلسفة عمل جديدة تعيد الاعتبار للشهادة العليا.
ويشير عميد المعهد الدكتور طلال عتريسي لـ”النهار”، الى فلسفة عمل تقوم على نقاط عدة، أبرزها ان المعهد يعمل على قاعدة تطوير عملية اعداد الدكتوراه من خلال مسارين: الأول، علاقة طالب الدكتوراه مع الفرقة البحثية المعنية بالاختصاص. فالطالب الذي يأتي لإعداد المشروع تناقشه اللجنة في مجموعة اقتراحات، وتعلن المحاور البحثية التي سيشتغل عليها لمساعدته في اختيار الموضوع، أو يعد المشروع مسبقاً وتناقشه اللجنة فيه، فإما توافق او تقترح تعديلات أو ترفض المشروع وفق تقويم أكاديمي دقيق. أما المسار الثاني، فهو العمل على شبكة من النشاطات يقوم بها الطالب من خلال فرقة الاختصاص البحثية وبالتعاون مع فرق الاختصاصات الأخرى. وهذا يعني فتح المسارات على بعضها مع المشاركة في أيام دكتورالية وندوات عامة وخاصة، تفتح أفق الطالب على التفكير والبحث خارج اختصاصه ايضاً.
والنقطة الأساسية هي أن المعهد هو للدكتوراه وليس للتدريب، لذا كل النشاط في المعهد يتركز على المجال البحثي والنشاطات والمؤتمرات والنقاش، حيث عقد المعهد خلال السنة عشرات النشاطات والمؤتمرات والندوات واستضاف اختصاصيين من خارج الجامعة وخارج لبنان، بينهم أكاديميون فرنسيون وأوروبيون ومن المغرب وشمال افريقيا وبعض الدول العربية الأخرى، بالإضافة الى أساتذة الجامعة. وفي كل نشاط يشارك أكثر من مئة طالب دكتوراه في المعهد. كما عمل المعهد في مجال التطوير على تنظيم دورات بحث وتدريب على البرامج الإحصائية، الواحدة لمدة شهرين بمشاركة الطلاب والأساتذة، حيث يجري التركيز على اعداد التقارير من الطلاب مع الأساتذة المشرفين، كخطوة لاستكمال جهد الاستاذ المشرف، بالتوازي مع احترام التقاليد الجامعية، إذ ان رسالة الدكتوراه هي في الأساس علاقة بين أستاذ وطالب، وهذا يعني أن الأستاذ هو المعيار وهو المحك في انتاج مستوى دكتوراه أفضل. فالمعدل أو العلامة ليست هي الأساس لإنتاج نص بحثي متقدم. ويقول عتريسي ان الحائز على الدكتوراه في تاريخ الجامعات في العالم، يتباهى أنه درس على إسم استاذ مشرف له اعتباره في الاختصاص والبحث.
لكن الأهم في نظام الدكتوراه وفق الدكتور عتريسي هو فتح المسارات. فأن يأتي طالب اختصاص ما ويريد أن يكمل الدكتوراه في اختصاص ثاني، هو مسألة مشروعة، شرط أن يكون هناك تقاطعاً بين الاختصاصين، وقد يطلب من الطالب استكمال مواد إضافية على المستوى النظري في مرحلة الماستر. والحديث هنا عن الاعلام وعلم النفس والفلسفة والآداب والعلوم الاجتماعية، فهناك مواد مشتركة تحسن الإعداد النظري بطريقة عمل تستند الى معايير أكاديمية. وقد جاء في النص المتعلق بفتح المسارات لمهمات مجلس المعهد في النظام الداخلي، انه أوصى بإنشاء مسارات بحثية وفقاً لحاجات المعهد بناء لاقتراح الفرق البحثية، وإجراء تقويم سنوي لأعماله ونشاطاته العلمية المختلفة، والسعي للحصول على منح للطلاب وعقود لتمويل البحوث من المؤسسات والجامعات والهيئات العامة والخاصة الوطنية والعربية والعالمية والبت بها وفقاً للأصول الإدارية المعتمدة في الجامعة اللبنانية.
ويلفت عتريسي الى أن معدل انجاز الدكتوراه في المعهد 5 سنوات، ويتبين من خلال الطلاب المسجلين ان معدل العمر هو 45 سنة ونصف السنة، وهذا يعني أن غالبية الطلاب يعملون، وهو ما يجب أخذه في الاعتبار لمساعدة الباحثين. ورأى أن اعداد الدكتوراه قيمتها لا تقتصر على سوق العمل، فقد تكون الشهادة ليست بدرجة ممتاز، انما هذا لا يعني أن لا قيمة لها، فالعلم المستند الى البحوث هو قيمة في ذاتها، فالحائز على الدكتوراه لا يعني أن يكون استاذاً جامعياً، إذ ليس كل الناس مؤهلين للتعليم، حتى لو كانوا حاملين شهادة دكتوراه، لذا يجب التركيز على وجود مراكز بحوث في كل فروع الجامعة، ويمكن الدمج بين البحث والتعليم، وهذا يفترض أن تكون كل مؤسسات الدولة ووزاراتها مرتبطة بالمراكز البحثية في الجامعة. ولفت الى ان تشكيل المجلس العلمي للمعهد فيه كل الاختصاصات، ليكون هناك أكثر من مقاربة، ويسري الأمر أيضاً على اللجان، حتى في الاختصاص هناك أكثر من اختصاص فرعي، وتستعين اللجان أيضاً بأساتذة من خارجها من أصحاب الاختصاص، انطلاقاً من التداخل القائم اليوم في عصر المعرفة. ويتولى مجلس المعهد ترشح الطلاب الحائزين على شهادة الماستر أو ما يعادلها من غير الجامعة اللبنانية لإعداد شهادة الدكتوراه، على أن يقوم ترشحه انطلاقاً من معايير صريحة ومعلنة تلحظ المستوى الأكاديمي لشهادته، من حيث ملاءمتها لمعايير تنظيم الاعداد لشهادة الدكتوراه في المعهد. ويختم بأن وجود عدد أكبر للطلاب يعدون شهادة الدكتوراه هو مكسب للبحوث والحوار والنقاش والتفكير.
ابراهيم حيدر / النهار