مرت مناسبتا يوم حرية التعبير وذكرى شهداء الصحافة في 6 أيار الماضي، والسؤال: هل توجد حرية تعبير واعلام حقيقية في لبنان؟ وهل يوجد اعلام متحرر ومستقل فعلياً لا نظرياً في لبنان؟ وهل يوجد اعلام مفكّر ومقرر وفاعل لا اعلام يفكّر عنه ويُملى عليه واعلام منفعل؟ وهل يوجد اعلام مدني ينتمي الى الكون والوطن والعقل والحرية لا الطائفية والحزب والزعيم والعشيرة؟
لا توجد حرية حقيقية في لبنان على صعيد التعبير عن الرأي والاعلام، بل هي حرية الطوائف والاحزاب والزعماء والميركانتيلات، لان الحرية الحقيقية تصدر من الذات لا من الجماعة، وهي التي تجد لها صدى وتأثيراً وتأييداً، بينما نرى اليوم أن الرأي الذي لا يؤيّد هذا الفريق أو ذاك او هذا الحزب أو ذاك ولا يعمل على التعبئة الطائفية والمذهبية هو رأي مهمش ومنبوذ ولا يحظى بتأييد الأكثرية، ونرى أن الرأي المؤسس على العواطف والغرائز والمصالح الفئوية هو الذي يشق طريقه في المجتمع ويحظى صاحبه بالمال والشهرة والتفضيل والتكريم لدى السياسيين والاحزاب و”زعماء الطوائف”، بينما صاحب الرأي المستقل والموضوعي المؤسس على العقل يهمش ويحرم من حقوقه. واذا رجعنا الى تعريف الحرية نجد أن العديد من الفلاسفة والمفكرين قرنوا الحرية بالعقل. ويقول هيغل (1770 – 1831): “الحرية هي الشكل الوحيد الممكن لوجود العقل”. ويقول توما الاكويني (225م): “إن حرية الانسان مبنية على عقله الذي يستطيع أن يحكم على الأمور”، ويقول كانط: “الحرية تفرضها ضرورة استقلال الارادة عن تأثير عالم الحواس… وهذه الارادة ليست ملكة منفصلة عن الفكر، إنها الفكر حيث يترجم في الوجود”. ويرى الفيلسوف الوجودي الفرنسي لافل (1883 – 1958) “أن الحرية تتمثل في أولى مراحلها بشكل استقلال ذاتي عن الآخرين والقوى الطبيعية والضغوط الخارجية والغرائز… “وترى الماركسية أن “الحرية تستند الى معرفة ضرورات الطبيعة”، وقالت المعتزلة عن معنى الحرية في الدين الاسلامي: “الله خاطب من يعقل ويفهم ويكسب وإنما خاطبهم إذ هم مخيرون”.
أية حرية اعلام وتعبير في ظل بعض وسائل الاعلام التي تروج للفوضى من جهة، والاستبداد والأحادية في المعتقد والرأي، من جهة أخرى؟ وأية حرية تعبير واعلام لا تعني إلا الكثير من الثرثرة والجدل والبرامج المسيسة التي يتجاوز عددها المسموح به في قانون الاعلام المرئي والمسموع، في حين أن البرامج الثقافية والاجتماعية والترفيهية المفيدة والمسلية قليلة جداً؟
هل حرية الاعلام والتعبير تعني تشجيع الفوضى والعاطفية والغرائزية والأنانيات في الشأن العام والسياسة والدين والمجتمع بدلاً من تشجيع العقلانية، وفي هذه الفوضى الهستيرية تخنق الحرية الحقيقية وتضيع الحقوق وتزداد المشكلات دون حلول لها؟
هل دور الاعلام أن يكون كالببغاء يردد ما يقوله وما يمليه عليه “الزعماء” والسياسيون والاحزاب ورجال الدين ورجال الاعمال، وما على المتلقي سوى الصمت والاقتناع؟ وهل يقوم الاعلام بدور المثقف الحكيم الذي يشخّص أمراض المجتمع والسياسة والدين والاخلاق والاقتصاد ويقترح العلاج والحلول أم أنه يعاني الامراض نفسها ويروّج لها أو يعيد انتاجها كالفوضى والتسلط والسطحية والتعصب والطائفية والابتذال والتسيس والتحزب والقيم المادية؟
الجواب: المشكلة ليست مشكلة الاعلام وحده، بل هي مشكلة المشرفين والممولين والداعمين لوسائل الاعلام المرئي والمسموع، وهي مشكلة النظام السياسي والاجتماعي والضغوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية الداخلية والخارجية، وتقاعس المسؤولين عن وضع ضوابط لمخالفات بعض وسائل الاعلام. وهي مشكلة السياسيين والاحزاب الذين يستعملون معظم وسائل الاعلام في صراعاتهم ولتحقيق غاياتهم، ما يجعل معظم وسائل الاعلام رهينة الاصطفافات والانقسامات والطائفية والتحزب والتسييس والمنافسة التجارية الشرسة على المشاهدين والأباح والسطحية.
أسامة اسماعيل / النهار