بينما دعا البابا فرنسيس كل أسقفية وجماعة دينية في أوروبا إلى إيواء عائلة من المهاجرين في مبادرة تضامن قال إنها ستبدأ من الفاتيكان، استمر تدفق اللاجئين إلى ألمانيا بعد سماح المجر لهم بالعبور ودعت النمسا إلى قمة طارئة. وأشاد الرئيس الإيراني حسن روحاني بمساعدة الاتحاد الأوروبي اللاجئين.
قال البابا: “أناشد الأبرشيات والجماعات الدينية والأديرة والملاجئ في كل أوروبا استضافة أسرة من اللاجئين”.
وتشمل دعوته عشرات الآلاف من الأبرشيات الكاثوليكية في أوروبا بعدما بلغت أعداد اللاجئين الوافدين براً عبر البلقان وبحراً عبر المتوسط إلى إيطاليا واليونان مستويات قياسية.
وفي ايطاليا وحدها أكثر من 25 ألف أبرشية وأكثر من 12 ألفاً في ألمانيا.
وتعالى تصفيق الجمهور المحتشد في ساحة بازيليك القديس بطرس بحاضرة الفاتيكان، بينما كان البابا، وهو ابن مهاجرين إيطاليين إلى الأرجنتين، يقول: “كل أسقفية وجماعة دينية ودير وملجأ في أوروبا يجب أن يؤوي أسرة واحدة”، مشدداً على أنه ينبغي عدم الاكتفاء بالدعم المعنوي، بل تنفيذ تعاليم الانجيل بصورة عملية. وأضاف أن أبرشيتين في الفاتيكان ستستضيفان عائلتين من اللاجئين في الأيام المقبلة.
وكانت الزيارة الأولى للبابا بعد انتخابه لجزيرة لامبيدوسا الايطالية التي تقع بين صقلية وتونس والتي يصل اليها الكثير من المهاجرين بالقوارب.
وأفاد الكاردينال الإيطالي انجيلو بانياسكو أن الأساقفة الأوروبيين سيناقشون قريباً نداء البابا. وقال: “نعم، سيكون هناك جواب فوري”.
ألمانيا وأوروبا
وفي بافاريا، كبرى الولايات الألمانية، طالبت السلطات بتوزيع مسؤولية اللاجئين على الولايات بالتساوي، مع استقبال نحو ثمانية آلاف شخص السبت.
وصرحت الناطقة باسم السلطات في بافاريا العليا سيمون هيلغيرز، بأن نحو خمسة آلاف شخص وصلوا أمس. وأن ميونيخ وبافاريا لا تستيطعان وحدهما تحمل العبء من دون المناطق والمحافظات الأخرى.
وأمل الناطق باسم الشرطة البافارية توماس باومان في أن “يكون في الإمكان الاعتماد على ولايات ألمانية أخرى، وأن يتجه المهاجرون مباشرة بالقطارات إلى ولايات ألمانية أخرى ويوزعوا وفق نظام للحصص”.
وفتحت ألمانيا حدودها أمام المهاجرين السبت بعد وصولهم مجهدين من المجر التي حاولت حكومتها منعهم من الدخول، لكن أعدادهم الكبيرة حالت دون ذلك.
وخرج الرجال والنساء من القطارات يحمل بعضهم أولاداً وعلى وجوههم ابتسامة وهم يلوحون بأيديهم، وقُدمت إليهم ملابس وأغطية وألعاب. ووجههم رجال الشرطة، بمساعدة مترجمين يتحدثون العربية، إلى باصات كانت تنتظرهم نقلتهم إلى مآوى موقتة أعدت لهم في مبان عامة وفنادق ومنشآت عسكرية في البلاد. وكان في استقبالهم في محطات القطارات في ميونيخ وغيرها مواطنون صفقوا لهم ترحيباً بهم.
وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الاسبوع الماضي “العالم يراقبنا”، وهي تحاول اقناع زعماء أوروبا بالمشاركة في عبء استقبال اللاجئين.
ولم تلق المحاولة الجريئة التي بذلتها للاضطلاع بدور القيادة، على نقيض تأخرها في التحرك في أزمة الأورو، سوى تأييد مشوب بالحذر من حلفاء مثل فرنسا حيث المعارضة الداخلية قوية لاستقبال مزيد من المهاجرين. وعلى رغم مشاركة نحو ثمانية آلاف شخص في تظاهرة في باريس تحت عنوان “مرحباً باللاجئين”، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “أودوكسا” لحساب صحيفة “الباريزيان” أن 55 في المئة من ألف شخص شملهم، يعارضون تخفيف القواعد بالنسبة إلى المهاجرين الذين يطلبون وضع اللاجئ، وبينهم سوريون فارون من الحرب في بلادهم.
وحذرت مارين لوبن، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد، من إغراق أوروبا بالمهاجرين، منتقدة استغلال صورة الطفل السوري الغريق ايلان الكردي لحمل الأوروبيين على الشعور بالذنب.
أضف أن دعوة ميركل أحدثت، للمرة الأولى منذ عشر سنين، صدعاً بين الشرق والغرب. واتصلت المستشارة الألمانية السبت برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي كان رأى أن أزمة اللاجئين “مشكلة تخص ألمانيا وحدها”. وصرح الناطق باسمها جورج ستريتر بأن “الجانبان اتفقا على أن ألمانيا والمجر ينبغي ان يفيا بالتزاماتهما الأوروبية، بما في ذلك ما ينص عليه اتفاق دبلن” القاضي بالنظر في طلبات اللجوء في البلد الذي يصل إليه الشخص المعني أولاً.
واعتبر المستشار النمسوي فيرنر فايمان أن على الاتحاد الاوروبي أن يعيد النظر في مساعداته المالية المستقبلية من أجل التنمية إذا لم تشارك دول الشرق في تحمل العبء. وأشار إلى أن سماح حكومته بعبور آلاف المهاجرين “موقت”، وليس إلا تعبيراً عن حسن نية في وجه أزمة إنسانية كبيرة، ولكن “لا بديل من حل أوروبي مشترك”، داعياً إلى قمة أوروبية طارئة “عقب اجتماع وزراء الداخلية في 14 أيلول”.
لكن ثمة مخاطر بعيدة المدى تواجهها أوروبا. وقالت كبيرة محللي السياسة العالمية في مجموعة “سيتي” المصرفية الأميركية العملاقة تينا فوردام، إن “الاتحاد الاوروبي يواجه مشاكل في التعامل مع أكثر من مشكلة في وقت واحد”، ذلك أن “الخلاف والتراجعات في ما يتعلق باللاجئين والهجرة قد ينتهي به الأمر إلى تفتيت تماسك الاتحاد الاوروبي وسحب الاوكسيجين السياسي اللازم للتعامل مع تحديات أخرى في الاقتصاد أو أوكرانيا”. ولم تستبعد أن يكون هناك أثر محتمل لدور بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، بعدما كان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون رفض الانضمام إلى خطة أوروبية لاستقبال اللاجئين، غير أنه رضخ أمام الضغوط الاعلامية بعد فورة المشاعر الانسانية بسبب صورة ايلان. وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة “ميل أون صنداي” أن 51 في المئة من البريطانيين يريدون ترك الاتحاد الأوروبي.
وأوضح وزير المال البريطاني جورج أوزبورن أن حكومته ستستخدم جزءاً من الموازنة المخصصة للمساعدات الخارجية للمساهمة في تأمين نفقات إيواء الوافدين من سوريا، وذلك في محاولة لتهدئة المخاوف من تأثير هذا الأمر على الخدمات العامة.
العالم
وأشاد روحاني في تعليقات أوردها موقعه الالكتروني الأحد بالجهود الأوروبية لإيواء اللاجئين، وذلك في اجتماع مع السفير المجري الجديد في طهران. وقال: “نحن سعداء بأن بعض الدول الأوروبية بذلت جهوداً إيحابية لمساعدة اللاجئين، ونأمل في أن تحذو حذوها دول أخرى لم تحذ حذوها”، في ما اعتُبر انتقاداً مبطناً للموقف المجري قبل فتح الحدود مع النمسا.
وأبدى رئيس الوزراء الأوسترالي طوني أبوت استعداد بلاده لقبول مزيد من اللاجئين من المخيمات على الحدود بين سوريا والعراق. وأشار إلى أن وزير الهجرة بيتر داتون سيسافر إلى جنيف لعقد اجتماعات في مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تتعلق بطبيعة المساعدات الإضافية التي يمكن أن تقدمها بلاده.
واسترعى الانتباه قول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لا تستطيع استقبال مهاجرين من سوريا. وقال: “سنحيط اسرائيل قدر المستطاع بسياج أمني يسمح لنا بالسيطرة على حدودنا. لن نسمح بفيضان يغطي إسرائيل من المتسللين وطلاب الوظائف من المهاجرين والناشطين الإرهابيين”.
النهار