عقدت “جمعية العناية الصحية”، في حضور مديرة الجمعية السيدة كارين نصار، ورشة عمل للإعلاميين تحت عنوان “الإعتبارات الأخلاقية والتغطية الإعلامية للمواضيع الإجتماعية”، في فندق “بادوفا”، سن الفيل، برعاية وزير الإعلام رمزي جريج ممثلا بمستشاره أندريه قصاص، وفي حضور ممثل نقيب المحررين ابراهيم عبده الخوري، ومديرة “الوكالة الوطنية للإعلام” لور سليمان، والأمينة العامة للمجلس الأعلى للطفولة ريتا كرم، ورئيسة “جمعية العناية الصحية” كارين نصار، وإعلاميين.
بداية، ترحيب بالحضور من منسقة البرامج في الجمعية ناديا بدران، ثم تقديم للمشاركين في الورشة.
قصاص
وافتتح قصاص الكلام فتمنى النجاح والتوفيق للورشة الإعلامية، وقال: “بالنسبة الى التغطية الإجتماعية، أمام أي حدث يتعلق بحياة أناس بحاجة الى مساعدة الإعلام لا نجده يغر كثيرا بهذه الدعوة، بينما عندما يكون هناك حدث أقل أهمية نجد تهافتا منقطع النظير من جميع وسائل الإعلام. من هنا، نشدد على أن الأخلاقيات يجب أن تتوافر في أي عمل نقوم به في حياتنا، وليس فقط في الإعلام، لأنه إذا لم يكن هناك أخلاق فليس من مجتمع، وإذا لم يكن هناك مجتمع فليس من مستقبل”.
وتمنى الخروج بخلاصات ونتائج عملية ومدروسة من هذه الورشة.
نصار
ثم عرضت نصار أهداف الجمعية وعملها وخصوصا مع الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية، والذين يعانون مشاكل الإدمان. وقالت: “إن وسائل الاعلام تواجه تحديات كبيرة عندما تغطي أحداثا إجتماعية، ومن واجباتها حماية الأخلاقيات وحرية التعبير”.
وقالت: “في الفترة الأخيرة شهدنا عددا من المسائل الأخلاقية عبر قنوات مختلفة من دون الأخذ في الاعتبار المتضررين أو الفئة المستهدفة”.
الخوري
بدوره قال الخوري: “من المعروف أن وسائل الإعلام تغطي كل المسائل الإجتماعية والاقتصادية، وثمة إعلام بناء وآخر هدام. والإعلام يواكب كل الأحداث، خصوصا أن لبنان لديه اليوم الكثير من المشاكل. صحيح أن الأمن مضبوط، والإنفجار الأمني ممنوع من اللبنانيين كلهم، إنما يجب أن تطرح المواضيع الإجتماعية على طاولة مجلس الوزراء وفي المؤسسات الإعلامية”.
سليمان
ثم القت مديرة الوكالة لور سليمان محاضرتها التي اشارت فيها الى أن “أهمية الاعلام لا تكمن في اقتناء وسائله ومجاراة الآخرين في استخدامها وتوجيهها، وإنما في سبل استعمالها وتوظيفها بشكل هادف وعلى نحو يجعلها قادرة على التعبير الموضوعي عند تناول القضايا المختلفة، بحيث نضمن وسائل اعلام في إطار مرجعي كفيل بتوفير تغطية منهجية تتماهى مع قواعد (علم) الاعلام ونظرياته، بعيدا عن العفوية والارتجال. وربما هذا ما تفتقده بعض وسائلنا الاعلامية حاليا، بعدما سخرت سياساتها الاعلامية لترويج سلعتها في اكبر عدد ممكن من الاسواق لضمان وصولها بالتالي الى اكبر عدد ممكن من جمهور المتابعين”.
وأضافت: “في خضم ثورة الفورة الاعلامية المتخبطة بين التطور التكنولوجي وتصاعد الازمة الاقتصادية، تناسى بعض القيمين على الاعلام ان عملهم رسالة وخدمة وليس تجارة او طلبا لمكسب. وهذا هو الشيء الذي ربما اعطى المجال لحدوث ممارسات اعلامية خاطئة وضبابية افرزت حالة من الارباك اثارت الشكوك حول حقيقة دور وسائل الاعلام في الحياة العامة، وما اذا كانت تقوم بالفعل بتأدية رسالتها المفترضة بما هي توعية وتثقيف ام لا”.
وأشارت الى أنه “على المستوى الاعلامي، إن قضية اخلاقيات وسائل الاعلام، Media Ethics هي محل اهتمام العديد من المنظمات المحلية والاقليمية والدولية.
وتأكيدا لأهمية هذه القواعد، تم تنظيم العديد من المؤتمرات، كما ظهرت العديد من التقارير التي تصدرها جهات متخصصة بما يوضح المخاطر التي تترتب على عدم التزام وسائل الاعلام الاخلاقيات المهنية.
وعلى الرغم من المواثيق الاخلاقية الصادرة على المستويات المحلية والاقليمية والدولية لتنظيم عمل وسائل الاعلام، الا انها لا تتخذ صفة الالزام، وكثيرا ما يعوزها الجانب الاخلاقي المرتبط بالذاتية الثقافية. وهنا تبدو أهمية وضرورة وجود المواثيق الاخلاقية التي تنظم عمل وسائل الاعلام، لان الاعلام هو مرآة المجتمع وهو الذي يعكس صورة هذا المجتمع.
ومن اهم أخلاقيات العمل الاعلامي: الصدق، احترام الكرامة الانسانية، النزاهة، المسؤولية والدقة والموضوعية، والعدالة”.
ولفتت الى “دراسة أجرتها احدى طالباتي في المعهد الوطني للادارة التابع لمجلس الخدمة المدنية عن اخلاقيات المهنة على عينة من الشباب اللبناني، فقد تبين من خلال هذه الدراسة عن التزام الوسائل الإعلامية في لبنان بالأخلاقيات الإعلامية، ان 92% من العينة يعتبرون أن وسائل الإعلام اللبنانية غير ملتزمة الأخلاقيات، وتوزعت النسبة بين 52% غير موافق أبدا و40% غير موافق.
ووافق 66% على أن الوسائل المذكورة تعبر عن هموم المواطنين وقضاياهم اليومية، بينما 34% أعربوا عن رفضهم.
كذلك أجمعت نسبة 88% على وضع ضوابط على حرية الإعلام وإلزامها مواثيق الأخلاق، 70% أجابوا “موافق جدا” ووافق 18% بتحفظ، وأجاب 12% بالرفض. وأجاب 52% أن علة الإعلام اللبناني هي كل ما يلي مجتمعا: غياب الموضوعية والدقة، الطائفية، الإنحلال الأخلاقي والتبعية والتمويل، أما الجواب الذي نال أكثر الأصوات منفردا فكان التبعية والتمويل بنسبة 20%. كما أظهر الاستبيان أن نسبة 82% لا يثقون بمصداقية الإعلام اللبناني.
وإذا أردنا تحليل نتائج الدراسة التي أجريت، فيتبين لنا أن غالبية المواطنين يرفضون غياب الاخلاقيات عن الإعلام اللبناني، وهم لا يثقون به، كما أنهم ينادون بتطبيق القانون والشرعات الأخلاقية، وبوضع الضوابط عند اللزوم، حفظا للسلم الأهلي وللآداب العامة، كما حماية لأولادنا ومراهقينا من الإنجرار وراء الفتن”.
وقالت: “يبدو من النتائج أن العينة ترى الإعلام اللبناني مرآة للواقع اللبناني، لمشاكله وقضاياه اليومية، كأزمة النفايات حاليا وما نراه في الشارع من حراك مدني، إنما الخوف من ان تتحول المحطات الاعلامية ادوات لجهات سياسية لتحويل الحراك عن مساره الصحيح والذهاب به في اتجاه معين لغايات اقتصادية ومن تمويل خارجي”.
وأكدت أن “على وسائل الإعلام اعتماد شرعة سلوك مهني تطبق المبادئ التالية:
الإحجام عن نشر كل ما يحض على العنف والكراهية، تنقية الإعلام من لغة الشجار والتحقير والتشهير والتهجم والبذاءة، الحذر من الانزلاق من النقد إلى الإهانة، ومن المعارضة إلى التهديد ومن المساءلة إلى القدح والذم، تجنب الإفراط في الإثارة وما يحتمله من مبالغة وتشويه وتحوير في سرد الوقائع، التشديد على أن السرعة في نقل الخبر، في ظل المنافسة الشديدة، لا تبرر التسرع في الاستغناء عن المصادر الموثوق بها، عدم جعل وسائلنا الاعلامية ابواقا للارهابيين لتسويق اغراضهم وغاياتهم وتوظيفها في اكتساب السيطرة على الرأي العام”.
وختمت: “يبقى ان نقول إن الأخلاق هي التي توجه الصحافي وترسم له الطريق الصحيح، فإذا انتفت الأخلاق أصبحت الصحافة مهددة في دورها وفي مصداقيتها”.
بو هدير
ثم كانت مداخلة للإعلامي ماجد بوهدير قال فيها: “نعيش اليوم في زمن الشفافية المصطنعة التي تجافي القيمة الحقيقية لماورائية الحق المقدس”، متسائلا: “هل نحن الذين نستهدف عواطفكم ونحاكي عقولكم لكي نغذيها بالمعلومات التي تهدف لتغيير سلوكياتكم واتجاهاتكم وأفكاركم؟ هل نعي الحدود والأطر التي تحمي الخصوصية والحرمة والكرامة؟ مهنتنا، لا بل رسالتنا، هي سيف ذو حدين، هذه الرسالة التي تحيد وتجنح في كثير من الأحيان الى مطب السبق الصحافي الذي من خلاله نصبح على كل لسان وشفة”.
وأشار الى أن “العبرة ليست دائما بفرض القوانين والتشريعات إنما تكون بمراعاة الأخلاقيات عند ممارسة العمل الإعلامي، وعلى وسائل الإعلام تبني شرعات أخلاقية داخلية ورفع مستوى دخل الصحافي وتأمين الضمانات الإجتماعية اللازمة له، فضلا عن تفعيل الدور النقابي”.
بدران
وأعطت بدران تعريفا عن الأخلاقيات وماهيتها، مشيرة الى ركائزها الأساسية، وقالت: “أين نحن من القيم الإنسانية والمبادىء والقواعد التي تردعنا بنهاية المطاف”.
وأشارت الى أن أهداف وسائل الإعلام هي توصيل الرسائل (معنوية، توجهية، تنموية، تثقيفية)، تحسيس الرأي العام حول موضوع ما، إشراك الرأي العام بنشاطات وأعمال تنموية، التغيير والتنمية والتحرير، وذلك من خلال 3 ركائز اساسية وهي الدقة والموضوعية والإنصاف”.
وتطرقت الى مدونة قواعد السلوك التي تقوم على احترام الحقيقة والصدق والأنصاف وحق الجمهور بالحصول على المعلومات، واحترام مبدأ التمييز والمصلحة العامة، واحترام الخصوصية والآداب العامة، وتمييز بين الوقائع والآراء.
وهاب
وعرضت المسؤولة في جمعية “العيش بإيجابية” ريتا وهاب للصعوبة في التعامل مع الإعلاميين في ما يتعلق بإجراء مقابلات مع أشخاص متعايشين مع مرض نقص المناعة المكتسبة والمدمنين على المخدرات. وطلبت من أحد الإعلاميين إجراء مقابلة حية كنموذج عن الأسئلة التي تطرح عادة مع الأشخاص المتعايشين مع المرض وتجرح كرامتهم ولا توصل الرسالة المطلوبة. وأجريت مقابلتين مع متعايش مع المرض، وآخر مع مدمن سابق.
كرم
وكانت كلمة لريتا كرم عن “العلاقة بين العمل الإجتماعي والإعلام التي تتكامل حينا وتتناقض حينا آخر”، مشيرة الى أن “الفرق بينهما يكمن في أن العمل الاجتماعي يراعي سرية المهنة وكسب ثقة الطفل، في حين أن الإعلام لا يحترم السرية المهنية ولا يراعي مشاعر الأطفال، أما القاسم المشترك بينهما فهو التوعية”.
وتناولت المبادىء الأساسية لشرعة أخلاقيات التعامل الاعلامي مع الطفل التي تقوم على عدم ذكر إسم الطفل بالكامل أو نشر صوره، وعدم نشر إسم والديه أو صورتهما، وعدم إجراء مقابلات تلفزيونية مع الأطفال وعرضها. وأشارت الى أن القانون رقم 422 حول “حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر”، في المادة 48 منه يحظر نشر وقائع التحقيق والمحاكمات والصور، وإلا تعرض المخالف لعقوبة السجن من 3 أشهر الى سنة، وللغرامة من مليون الى 5 مليون ليرة، أو لإحدى هاتين الحالتين.
عمل المجموعتين
بعد ذلك توزع الإعلاميون على مجموعتي عمل، إحداها خصصت للوسائل المرئية والمسموعة والثانية للمكتوبة، جرى خلالها عرض للتحديات التي يواجهها الاعلام اليوم على مختلف المستويات، وأقروا توصيات لمواجهتها.
بالنسبة الى مجموعة الوسائل المرئية والمسموعة:
التحديات:
– سياسة المحطات الاعلامية وكيفية التعاطي مع المواضيع.
– وجود هوة بين جيلين من الاعلاميين وشرخ في الثقافة الشخصية للإعلاميين.
– إختلاف المعايير والمبادىء.
– الترويج والتسويق.
– عدم التحلي بالنضج الكافي لطرح المواضيع.
– الخيط الرفيع بين الموضوعية الشخصية والعامة.
– إعطاء الأولوية للأخلاق الاعلامية على السبق الصحفي.
– الإلتزام بدورات تدريبية وتثقيفية.
– الإلتزام بالموضوعية وعدم التطرف.
– التقليل من احترام الضيف.
– إستغلال الحالات الاجتماعية بعيدا عن نشر التوعية أو حل المشكلة.
– الجهل وعدم الإلمام الكافي بالمواضيع المطروحة.
– إستغلال وسائل الإعلام لمآرب خاصة (الأخذ بالثأر).
– وسائل التواصل والمصادر غير المضبوطة.
– التأكد من صحة الخبر قبل نشره ومن الحالة الإجتماعية.
التوصيات:
– رقابة ذاتية مستدامة.
– وجود ضوابط ومعايير مهنية ومرجعية رقابية وقانون محاسبة.
– التوعية من خلال تكثيف الدورات التدريبية والتواصل مع المصدر الأساسي للمؤسسات الاجتماعية للإضاءة على الحالات الإجتماعية.
– تكريس وتعزيز مفهوم الإعلام- الرسالة.
– إعادة هيكلة موحدة للجسم الإعلامي.
– تفعيل الرقابة الذاتية من الوسيلة الإعلامية على البرامج.
مجموعة المكتوب
في ما يتعلق بمجموعة الإعلام المكتوب، أتت التحديات التي ناقشها الإعلاميون على النحو الآتي:
– طريقة تناول الحالة الإجتماعية.
– إنصاف الحالة الإجتماعية.
– المنافسة الإعلامية.
– الإثارة والسبق الصحفي.
– سرعة تداول الخبر خصوصاً على مواقع التواصل الإجتماعي وتأثيرها المباشر على المتلقي.
– التوفيق بين ما يريد الرأي العام والأخلاقيات المهنية.
التوصيات:
– إنشاء مادة تدريس لطلاب الصحافة حول السلوك الأدبي والقواعد التي يتبع اتباعها في كلية الإعلام.
– دورات تثقيفية تدريبية من الجمعيات المختصة.
– الطلب من أصحاب المؤسسات الإعلامية ورؤساء التحرير مراعاة الحالات الاجتماعية واحترام خصوصياتها.
– ضرورة التقيد بالمواثيق الإعلامية.
– التأكد من الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الإجتماعي قبل نشرها.
– التعاون والتنسيق ما بين الاعلام والمؤسسات المعنية بالموضوع المطروح.
– تفعيل نقابة المحررين”.
وأجمع الإعلاميون على ضرورة تقديم هذه التوصيات الى كل من وزير الإعلام، ونقابتي المحررين والصحافة، والمجلس الوطني للإعلام، وأصحاب المؤسسات الإعلامية، ووزير التربية لكي يحيلها بدروه على كليات الإعلام.
وفي الختام جرى توزيع إفادات للإعلاميين الذين شاركوا في ورشة العمل.
وطنية