الخميس المقبل يعيد رئيس الحكومة تمّام سلام افتتاح “متحف سرسق” بعد انجاز اعمال الترميم فيه، ليعود صرحا ثقافيا تفخر به بيروت، وليكون متحفا حديثا للفن المعاصر، يجمع الاعمال الفنية ويحافظ عليها، وتقام فيه معارض دائمة وموقتة، ونشاطات ثقافية وفنية راقية تشمل الموسيقى والمسرح والندوات وغيرها، على مدار السنة.
7 سنوات من اشغال الترميم والتوسعة اضافت 4 طبقات سفلية على القصر الاساسي الذي شيده ابرهيم سرسق عام 1912 والمصنف تراثياً، وعلى عمق 20 متراً تحت سطح الحديقة، فضاعفت مساحته لتصبح 8500 مترا مربعا، منها 2500 متر مربع مخصصة لصالات العرض والاستعمالات الثقافية، الى جانب الحديقة الخارجية التي لم تمس ويتوزع في ارجائها عدد من المنحوتات الحجرية الضخمة، بينها تمثال “الباكيتان” الذي نقل اليه من ساحة الشهداء.
صالة المعارض الكبرى اقيمت في الطابق السفلي الثاني على مساحة 800 متر مربع، لتستقبل 3 معارض سنويا. وستفتتح بمعرض ضخم اعدته مديرة المتحف السابقة سيلفيا عجميان بعنوان “نظرات على بيروت”، تطلب 3 سنوات من العمل والبحوث بمشاركة مؤرخين وباحثين في تاريخ بيروت مثل مي ومايكل ديفي وحسن حلاق وسمير مبارك وغابي ضاهر وغيرهم، ويضم 250 عملا بين لوحات ورسوم وصور فوتوغرافية ومنحوتات تمت استعارتها من 35 مجموعة خاصة لم تعرض من قبل، تبين التطور التاريخي والتحولات العمرانية في بيروت على مدى 160 عاما منذ القرن التاسع عشر حتى اوائل الستينيات من القرن الماضي. ومن ابرز الاعمال المعروضة لوحة ديفيد هوكني “ميدان المدفع” التي رسمها خلال زيارته لبيروت، ولوحات امين الباشا لساحة البرج، الى ألبومات قديمة وصور من مجموعة فؤاد دباس تعرض للمرة الاولى.
وفي الطابق الارضي صالتان متقابلتان تقام فيهما معارض جماعية لفنانين ومصممين وباحثين مبتدئين او جدداً يقدمون اعمالا حديثة عن بيروت المعاصرة، ويستكشفونها من خلال نتاجاتهم في الفيديو والصور الفوتوغرافية والخرائط والمحفورات. والافتتاح بمعرض تحت عنوان “مدن المدينة” يضم اعمالا لفارتان افاكيان ومنى فواز ورندا ميرزا و”98 اسبوعا”، وبأشغال عامة لنادين بكداش وعبير سقسوق وساسو.
في الطابق الاول ما زال مكتب نقولا ابرهيم سرسق محفوظاً ومزيناً بالجدران الملبسة بالخشب المحفور وبأغراضه الشخصية من كتب وصور وأوراق ومقتنيات، والى جانبه قاعة تعرض المجموعة الفوتوغرافية الدائمة لصور فؤاد دباس، تستبدل كل شهرين، وتضم صور بورتريه منفذة في الاستوديو واخرى عن تاريخ بيروت وفلسطين، اضافة الى مجموعة من البطاقات البريدية وبطاقات العمل والصور الشمسية ترصد من خلالها تكون ملامح الطبقات الاجتماعية المحلية عبر صور واعمال انتجت في استوديوات عائلات بونفيس وصابونجي والاخوة عبدالله.
ويتصدر الطابق الأول صالون عربي دائري تزينه مجموعة اعمدة رخامية، وتتوزع في ارجائه صالات المجموعة الدائمة التي تمتد ايضا الى الطابق الثاني وتضم اعمالا مختارة من المجموعات التي اقتناها متحف سرسق، او منحت له بعد معارض اقيمت فيه، تسرد تاريخ المعارض التي استضافها متحف سرسق منذ انشائه عام 1961، ومن ضمنها صالون الخريف السنوي، وتبرز مسيرة تطور الفن عبر السنين، ومن بينها لوحات لعارف الريس وشفيق عبود وإيتيل عدنان وخليل الصليبي وداود القرم وأسادور.
وجديد المتحف مكتبة تقليدية والكترونية تضم كتباً ووثائق وأفلاماً عن تاريخ الفن في لبنان والعالم، مفتوحة امام الباحثين والطلاب والفنانين، وستستضيف معرضا موقتا لمواد نادرة من ارشيف المتحف ومن ضمنها وثائق وصور من معارض سابقة اقيمت فيه، مستلة من وثائق فنانين وغاليريات تعود الى حقبتي الستينات والسبعينات، اضافة الى وثائق اصلية من مجموعة فؤاد دباس للصور. وجديد المبنى ايضا قاعة مسرح ومحاضرات مجهزة بأحدث التقنيات، اضافة الى غرفة لبيع التذكارات ومطعم في الحديقة.
بلغت تكلفة المشروع 13 مليون دولار “تأمن الجزء الأكبر منها من أموال بلدية بيروت، ومصدرها نسبة 5 في المئة التي يفرض القانون اقتطاعها من رسوم البناء، إضافة إلى تبرعات كثيرة من الأشخاص والقطاع الخاص” على ما اوضحه رئيس اللجنة العامة لمتحف سرسق الدكتور طارق متري. ويجمع المشروع الطابعين القديم والحديث، وحافظ على الدرج الرخامي الدائري الذي يميزه وأعاد الزجاج الملون الى واجهته. ووقع تصميمه الداخلي والسينوغرافيا المهندس الفرنسي المتخصص بهندسة المتاحف جان ميشال فيلموت والمهندس اللبناني جاك ابو خالد.
وتؤكد مديرة المتحف زينة عريضة لـ”النهار” ان “هدفنا هو تحقيق وصية واهبه نقولا ابرهيم سرسق في تشييد متحف مفتوح دائماً أمام جميع اللبنانيين لتعريفهم على الفن بمختلف انواعه، وتخصيص قاعة خاصة للفن اللبناني المعاصر وتعزيزه وتشجيع الفنانين اللبنانيين”. ولذلك تعمل “لجنة متحف سرسق”المؤلفة من 20 شخصية ثقافية واجتماعية على وضع برنامج شامل لسلسلة معارض وورش عمل ومحاضرات ونشاطات، للكبار والصغار، تبث فيهم الوعي على اهمية الفنون الجميلة وتحفزهم بأساليب مبتكرة على ممارستها والحفاظ عليها.
مي عبود أبي عقل / النهار