خمس وعشرون سنة راحت وكأنها يوم أمس الذي عبر.
خمس وعشرون سنة والانتظار لا يزال علامة الحبّ والرجاء والوفاء.
منذ خمس وعشرين سنة كان يوم، ليته لم يكن. أما وقد كان، فيا ليته لم يمرّ على لبنان ليدخله في أزمات تزداد حدة وتتواصل قلقاً وخوفاً على المصير. ويا ليته لم يعبر على دير القلعة – بيت مري ليحرق قلوباً كوتها، ولا تزال تكويها، نار تغييب الراهبين الأنطونيين الأبوين البير شرفان وسليمان أبي خليل ومن كان معهما محتمياً في خشوع ديرهما.
منذ خمس وعشرين سنة وأنا اتساءل عن صوابية حق الدول الكبرى في التحكم بمصير الدول الصغرى. مع العلم ان لبنان هو كبير بعطاءاته وتاريخه وتراثه، وحرام أن يكون ضحية الصراعات الدولية والتسابق على المغانم.
منذ خمس وعشرين سنة وانا اتساءل لماذا يسمح” الكبار” بتقديم “الصغار” محرقاتٍ لرغباتهم واهوائهم؟
منذ خمس وعشرين سنة والحبيبان البير وسليمان في البال، أتصورهما أمامي دوماً، وكما عهدتهما، مشرقَي الوجه ببسمة تنمّ عن طيبتهما وروحهما الرهباني والأنس الذي يتحليان به…
وكيف لا أذكرهما بعد خمس وعشرين سنة؟
فهل أنسى الأب البير معلماً ومرنماً وموسيقياً ورفيق درب في دير مار أنطونيوس والمعهد الأنطوني، حيث ناضلنا معاً في أيام الحرب السوداء وحيث كان يحلو له أن يناديني “بالنمرود”، وكان يعرف أني آتٍ إليه من وقع خطواتي؟
وهل أنسى الأب سليمان ملبياً أية خدمة تطلب منه، وحاملاً لأخبار طريفة يسردها بحرفية وخيال يميزانه، ومسرعاً إلى التعبير عن تضامنه مع صاحب كل حق، ومعبّراً بلطافة وذوق عن أمانته لاخوته الرهبان ولاصدقائه؟ آه! كم هو حاضر في جلساتنا ومطيب لها، حتى وهو مغيّب.
نعم، تمر خمس وعشرون سنة ونحن لا نزال ننتظر أن يكشف الله أمر الحبيبين البير وسليمان ومن كان معهما، بخير. ولكن هل لا يزال هناك من يتحصّن بالجرأة والشجاعة ليصنع الخير مع رهبانيتهما ومع اهلهما واصدقائهما ويعلن حقيقة تغييبهما ويكشف مصيرهما؟
أوليس الابوان البير وسليمان، وكثير من أمثالهما لهما ذات المصير، مواطنين لبنانيين يستحقان أن تبادر الدولة لاحياء ذكراهما، لا بل ذكرى جميع الذين ماثلوهما في الأسر والتغييب والقهر والظلم؟
فلماذا تترك الدولة اللبنانية والمجتمع اللبناني والدولي الرهبانية الأنطونية وأهل المغيبين وحدهم في الساحة ليطالبوا بكشف مصيرهما؟
نعم، نحن أهل سلام وغفران ومسامحة، ولكننا أصحاب حق، نطالب بمعرفة مصير الحبيبين البير وسليمان، حتى ولو كانا في عداد الشهداء. فالشهادة هي شرف لنا وعربون قيامة نشأنا عليها ذات يوم من تعلّق على الصليب إذ قال: “ليس حبّ أفضل من حبّ الذي يبذل نفسه عن احبائه… أنا معكم، لا تخافوا…”
على هذا الإيمان نحن ثابتون، وبقوّة من يقوينا سنبقي صوتنا عالياً يضج في ضمير مَن كان سبب تغييب الأبوين البير وسليمان، لنسأل دوماً عن مصيرهما.
فيا أيها الحبيبان البير وسليمان لكما عهد بالبقاء على الوفاء وبالسؤال دوماً عن مصيركما.
فكونا حيث أنتما شاهدين للمحبة التي تسامح وللحق الذي يحرّر وللحياة الحقيقية التي لا ينزعها منكما أحد.
الرئيسية | أخبار الكنيسة | في ذكرى تغييب الراهبين الأنطونيين شرفان وأبو خليل بقلم الأب بطرس عازار الأنطوني
الوسوم :في ذكرى تغييب الراهبين الأنطونيين شرفان وأبو خليل بقلم الأب بطرس عازار الأنطوني