لا أعتقد ان في فكر بولس الرسول تقديساً مطلقاً للسلطة السياسية على ما قد يفهم من ظاهر الكلام في رسالته إلى أهل رومية بعدما أعطى حكماً يبدو مطلقاً من أن “لا سلطة إلا من عند الله” (رومية ١٣: ١). ليس الرسول في معرض موقف مبدئي. إنه يخاطب أهل رومية في ظرفهم. السلطة عنده سلطة رومية ويراها في خدمة الله وهو لا يتصور انها قد لا تكون كذلك. لا يمكن أن نعتبر كلام بولس في هذه الرسالة تقديساً لكل سلطة سياسية أيّاً كان تصرفها. فالدولة في حكم الله وإن خرجت عنه لا قدسية لها. تبطل سلطة إن هي خلعت سلطان الله عليها. هل نتمرد على السلطة السياسية بالضرورة إن اقتنعنا انها خلعت سلطة الله؟ موضوع مفتوح وشائك. غير أن الثابت عندنا أن الفكر المسيحي يقول إن قدسية السلطة ليست قائمة دائماً. تذهب وتجيء. وهذا يفتح موضوع التمرد على السلطة.
ليس إذاً من قيمة مطلقة لأية سلطة، هذا تابع لتحركها. السلطة تزول بالظلم لأنها تكون خالفت الغاية من وجودها. هل يجب أن تزيلها إن هي فعلت؟ سؤال مفتوح. الجواب الأول المبدئي هو أن سلام البلد هو الأساس وأنك أحياناً تقبل بالظلم لأنه ليس الأسوأ. بصورة بسيطة أقول إن ليس من قدسية لأي نظام. المهم أولاً العدل بين الناس وثانياً السلام الداخلي. إذاً لا قدسية لأي نظام قائم. القدسية لسلام الشعب والعدل فيه ليس من سلطة تأخذ شرعيتها من ذاتها. الشرعية فيها قائمة على قدسية ممارستها. لذلك أباح الأخلاقيون خلع السلطة أحياناً. المعيار عندهم منفعة الأمة. ليس من حاكم صالح خارج ممارسته. أي ليس من قدسية للكيان السياسي. القدسية للممارسة فقط. القداسة للأشخاص وليست للأنظمة. لذلك في المبدأ يجوز خلع النظام إن سلك ضد سلامة الأشخاص أو حريتهم.
في الأخير السلطة ليست بالأشخاص القائمين على الحكم. هي في العدل وعند استبداد الظلم يحق لك أن تخلع السلطة إذ تكون قد فقدت شرعيتها.
يفترض بولس الرسول أن السلطة في خدمة الله للخير (رومية ١٣: ٨). إذاً غير صحيح اننا نخضع للسلاطين القائمة لمجرد أنها قائمة. ليس من ترادف بين السلطة والخير. لذلك أباح الأخلاقيون التمرد على السلطة السياسية في بعض من الحالات. كل فلسفة الديموقراطية انك تحكم على السلطة القائمة. أنت تخضع للسلطة القائمة إن كانت في واقعها مع الله. ولكن ليس من قدسية للجالس على الحكم لمجرد جلوسه. السؤال الوحيد المطروح هو هل الحاكم مع الله؟
النهار