كان الهدف من تأسيس جمعية مهرجان الصورة “ذاكرة”، عام 2007 إعطاء فنّ التصوير حقّه كوسيط يختصر مئات الكلمات التي “تتباهى” بقدرتها على نقل المشاهد والقصص من الواقع إلى “فضاء النظر” بحيث يشعر القارئ أن الكلمات تتحوّل صوراً وأن المُخيّلة “تصطادها” بسنّارة إفتراضيّة على إيقاع خطوات مُنظّمة.
في ذلك العام 2007 قرّر المُصوّر الفوتوغرافيّ العريق، رمزي حيدر، أن الوقت قد حان لإعادة الإعتبار إلى الصورة، إذ أنها أكثر من قادرة على التأثير على كل من تقع عينه عليها، سلباً أم إيجاباً. كما انه لا يُستهان بالقصص “الصامتة” التي ترويها الصورة الواحدة وإن لم تكن مُرفقة بكلمات أو نصّ يكثر فيه الشرح وتتتالى فيه التفاصيل.
فإذا به يؤسّس وبعض الأصدقاء الذين ينتمون بدورهم إلى عالم الصورة وإن بطريقة غير مُباشرة، هذه الجمعيّة غير الحكوميّة التي تُنظم ورش العمل والتدريبات وتُنجز المشاريع التي تُعطي المواطنين من كل الأعمار فرصة الإحتكاك المُباشر مع آلة التصوير، لتتحوّل بعدها الصور التي تم التقاطها معارض أو كُتباً تتفتّح فيها الحكايات والنوادر عشرات صور “زاهية” في قدرتها على سرد اللحظات وتسليط الضوء على وقعها علينا وتأثيراتها في ذاكرتنا.
يقول حيدر في حديث معه في “دار مصوّر” القائم في شارع الحمراء، ان “الصورة هي الأصل. وهي تملك القدرة على سرد الحكايات. فخلال عملي في وكالتين أجنبيّتين لأعوام طويلة، كنتُ أشعر بأن المُصوّر غالباً ما تقع عينه على عناصر إضافيّة لا تدرج بالضرورة في المقوّمات التي تطلبها الوكالات من الخبر والصورة. المُصوّر غالباً ما يُشاهد عناصر إضافيّة لا يستطيع أن يُرفقها بالخبر المطلوب منه. كما أنه يقع أحياناً ضحيّة ضيق الوقت، فإذا به يغضّ الطرف عنها”.
ثم كانت الإنطلاقة مع مشروع “لحظة” الذي استمرّ عاماً كاملاً وعمل خلاله أعضاء الجمعيّة وبعض المُتطوّعين فيها على تعليم 500 ولد من المُخيّمات الفلسطينيّة على التعامل مع الصورة، من خلال آلة تصوير تُستعمل لمرّة واحدة.
يُعلّق حيدر قائلاً، “إخترنا أولاد المُخيّمات (تُراوح أعمارهم ما بين 5 و12 عاماً) نظراً إلى تنظيم المُخيّمات الدقيق فضلاً عن قدرتنا على التعامل مُباشرةً مع الاولاد”.
ويرى هذا المُصوّر الذي يعرض عشرات الآت التصوير في مكتبه، ويعود بعضها إلى ثلاثينات القرن المُنصرم، أن “الولد يملك العديد من المواهب والقدرات. وكان لا بدّ لنا من أن نكتشف كل ما يملكه من خلال عدسته. وأؤكّد أننا في الجمعيّة ليس هدفنا أن نُشجّع على إمتهان التصوير ولكننا نريد بكل تأكيد أن نُعمّم ثقافة التصوير. نحن في كل الأحوال نعيش في عصر مواقع التواصل الاجتماعي ويُمكن أن يُطوّر الشخص قدراته التصويريّة وإن كانت همومه تقتصر على سرد يوميّاته من خلال الصور لينشرها لاحقاً على أحد هذه المواقع”.
وكرّت بعدها السبحة ولم تتوقّف الجمعيّة مذ ذلك الحين عن تطوير المشاريع وورش العمل والتدريبات التي تُعزّز حضور الصورة في حياتنا اليوميّة وإن اختلف إستعمالنا لها.
يضيف حيدر، “الصورة لغّة موحّدة، وهي القاسم المُشترك بين الجميع. ويُمكننا من خلال عملنا في الجمعيّة، أن ننشر هذه الثقافة الراقية فضلاً عن قدرتنا على نشر الوعي بين الناس. في عالمنا هذا نُعطي الكثير من الأهميّة للقصيدة، على سبيل المثال، وليس للصورة. مع إحترامي الشديد للكلمة، أقول بثقة أن الصورة تقف إلى جانبها، كما أن ركيزة القصيدة هي الصورة”. يتابع، “المُصوّر بدوره فنان”.
وتعمل الجمعيّة حالياً على مشروع جديد بالتعاون مع منظمة اليونيسف، “مدته سنة كاملة. سندرّب من خلاله مُراهقين تُراوح أعمارهم بين الـ14 والـ18 عاماً على التصوير وكتابة الخبر واستعمال وسائل التواصل الاجتماعيّة بطريقة تخدم الإنسان”.
هنادي الديري / النهار