ليس خرق التفرغ في الجامعة اللبنانية إلا جزءاً من سلسلة تبدأ من طريقة النظر الى التفرغ ومقاربة هذه المسألة وممارساتها، الى خروق في القانون مستمرة منذ تفريغ 1219 أستاذاً لا يستوفون جميعهم الشروط الأكاديمية.
لم نشهد خرقاً لقانون التفرغ في الجامعة اللبنانية بحجم الذي يحصل في عدد من الكليات، منذ أن أقر ملف التفرغ في مجلس الوزراء العام الماضي، وتعيين العمداء وتشكيل مجلس الجامعة بالإضافة الى ممارسات مخالفة جعلت لدى البعض موقع الأستاذ الجامعي مجرد وظيفة إدارية. وإذا كان التفرغ في الجامعة يتصل بالعمل الأكاديمي بالدرجة الأولى، سرعان ما سيأتي أحدهم ليقول لك إن التدخل السياسي يغطي عدداً من الأساتذة في الجامعة ولا يسمح بمعاقبتهم أو تأنيبهم، ما يعني أنهم يحظون بتغطية سياسية. لكن، ماذا يفعل رئيس الجامعة ومجلسها إذا كان الذي يقرر هو التدخل السياسي ومن يقف وراءه؟ وماذا عن قانون الجامعة 66 والمواد التي يمكن التسلح بها والتزامها في مواجهة التدخلات؟ خصوصاً أن في الجامعة طاقات علمية كبيرة ومتخصصة يمكن الإفادة منها في تحصينها. لذا سيأتي من يقول أيضاً أن هناك مخالفات للقانون وتغطية لها، اصحابها معروفون في كثير من ملفات الجامعة، ولا يحلها الا القانون والتجرد الأكاديمي في مواجهة السيطرة السياسية وأمام إدارة الجامعة وفقاً لحسابات المؤثرين في شؤونها.
ستُسأل إدارة الجامعة عن عدد كبير من الاساتذة لا يلتزمون قانون التفرغ، ولم تتخذ إجراءات في حقهم. وعلى سبيل المثال، كيف يغيب أستاذ جامعي أو أستاذة جامعية لشهور عن الطلاب في إحدى الكليات، من دون سبب وجيه، حتى من دون تقديم إجازة لأسباب قسرية، وليس بسبب السنة السابعة، فلا يوجه الى الأستاذ أو الأستاذة اي إنذار أو تنبيه، لأنهما وفق التفسير القانوني يخدمون الجامعة في الخارج. ثم يغيب اساتذة عن كلياتهم من دون محاسبة، فيما توجه إنذارات لأساتذة لمجرد اعتراضهم أو حتى غيابهم لأسباب قاهرة، فقط لأنهم لا يحظون بتغطية سياسية أو حزبية أو لعدم نيلهم رضى الإدارة. ثم كيف يبقى أساتذة تفرغوا في الدفعة الأخيرة، في أعمالهم التي كانوا يمارسونها سابقاً، في جامعات خاصة ولم يلتحقوا بكلياتهم؟ يعني أنهم يقبضون راتبين، لكنهم يعطون جهدهم للمؤسسة الخاصة وينالون راتبهم بكامله من الجامعة اللبنانية.
أما الأخطر في خرق التفرغ، فهو عمل أساتذة خارج الجامعة ومنحهم الأولوية لعملهم الآخر على حساب الجامعة، والأمثلة كثيرة، ليس فقط أساتذة في طب الأسنان يمارسون عملهم الخاص، وليس أيضاً أساتذة في الحقوق وهم من المحامين الذين يمارسون أعمالهم بحرية، بل أيضاً أساتذة في كليات عدة مستمرون في التعليم في الجامعات الخاصة، وآخرون لديهم أعمالهم ووظائفهم الثانية التي لا يتخلون عنها بسهولة، فيسير الخرق رويداً من دون اي إجراء أو قرار يتخذ لتأكيد التزام التفرغ الذي كان شرطاً أساسياً عند نيل الأساتذة سلسلة الرتب والرواتب الجديدة قبل 5 سنوات، من دون أن ننسى أن بعض الاساتذة المحظيين والذين يتولون مهمات خاصة يتم إعفاؤهم من جزء كبير من نصابهم التعليمي في الجامعة، ورواتبهم تستمر من دون اي مشكلة.
وفي تفرغ الأساتذة الجدد، وتوزيعهم على الكليات، ظهرت مخالفات كبيرة. وليست هذه المخالفات تقتصر على إقرار الملف الذي أدخلت فيه أسماء لا تستوفي الشروط، وفق ما ظهر في ملفات العديد منهم، خصوصاً من كان بصدد مناقشة الدكتوراه، ومن ألحق ملفه سريعاً في كلية لا تحتاج الى اختصاصه، انما في طريقة التعامل مع الملف ذاته، إذ يتحدث مديرون وأساتذة عن عقود وقعت ولم يلتحق أساتذتها بكلياتهم، ومنهم من يستمر متفرغاً في جامعة خاصة، ومن بينهم ايضاً من لم يحظ بساعات لأن اختصاصه لا يناسب فرع الكلية، فيقبض راتبه من دون عمل، وآخرون لا نصاب كاملاً لهم، فتتخم فروع كليات بأساتذة، فيما فروع أخرى ينقصها اصحاب الاختصاص. وهذا الأمر في ذاته يطرح أسئلة عن المقاربة العلمية والأكاديمية لملف التفرغ عموماً، بين الحاجات والتدخلات والصفقات والمصالح.
يبقى أن قانون الجامعة ينص على “تفرغ اساتذتها بالكامل، ويشترط على الاستاذ في الجامعة الا يعمل في مكان آخر، وان يتفرغ للتدريس والبحوث والمختبرات داخل الجامعة ولمصلحتها”. لكن ما يجري اليوم هو خرق علني لقانون التفرغ، من دون أن تتخذ أي اجراءات حاسمة في هذا الموضوع، وهي من مسؤولية رئيس الجامعة ومجلسها بالدرجة الأولى.
ابراهيم حيدر
النّهار