يطلّ طيف التاريخ العريق من أروقة “إذاعة لبنان” التي “تختزن” في أرشيفها عشرات آلاف التسجيلات لبرامج ومُسلسلات ومقطوعات موسيقيّة وأخرى غنائيّة “تفتّح” زمانها على الأصالة والعزّ.
كم كانت المكاتب والجدران والشبابيك التي تفضي على جنون المدينة وصخبها، شاهدة على قصص العباقرة الذين تعاملوا مع الإذاعة ماضياً وكأنها منزلهم الثاني. وها هي “إذاعة لبنان” التي تستريح على أنغام تاريخ أنيق لن تتكرّر عظمته، تُبدّل ثوب الرتابة مُزيلة لونه القديم لمصلحة ألوان الإبداع الزاهية. وها هو المدير العام للوزارة حسّان فلحة، مُدير الإذاعة محمد إبراهيم، ومُديرة البرامج ريتا نجيم الرومي يُجدّدون إطلالة هذا المنزل الذي لطالما حَضَن كل مُبدع، أكان مُبتدئاً أم مرّت عليه حالات الزمان شتّى. تقول ريتا نجيم الرومي: “اليوم، تتجدّد إذاعة الأصالة مع الشباب. ونُحاول مع إنطلاقة دورة برامجنا الجديدة أن نُقدّم التوازن ما بين البرامج الشبابيّة وتلك التي تنطوي على عراقة الأجيال الماضية وأصالتها. لدينا على سبيل المثال برامج ثقافيّة واجتماعيّة عدة. كما نُقدّم برامج تربويّة وأخرى عن الزراعة والبيئة. ونسعى لأن تكون الإذاعة في دورة برامجها الجديدة منبراً للشباب فيطل كل مُبدع شاب في برنامج (مُبدعون)”.
تُضيف، “وسينضم إلينا المؤرّخ الموسيقي الياس سحّاب، كما سيكون المايسترو لبنان بعلبكي مسؤولاً عن التبادل الموسيقي بيننا وبين الدول الصديقة”.
تُضيف نجيم الرومي، “آن الأوان لننهض معاً بالإذاعة. وهذه الإذاعة خالية من الإعلانات ومن هذا المُنطلق هي فعلاً إذاعة تستريح على الخدمة العامة على صعيد الفن– باعتبار أننا لا نُسلّط الضوء على البرامج السياسيّة إطلاقاً – ونعمل على تحسين ذوق المُستمع الفنّي. وأخبارنا موضوعيّة وهادئة مليئة بالرقي. برامجنا لا تنطوي على الإثارة. التنوّع فيها يُشبه لبنان إلى حدّ بعيد والتعامل في ما بيننا أكثر من سلس وإيجابي”.
ماضياً، كانت الإذاعة وفق ما تقول نجيم الرومي، “خليّة نحل، وذلك منذ الإنتداب. عكست إذاعة لبنان رقيها على المجتمع وأدخلت المجتمع إليها من خلال الاسكتشات الرائعة. وكانت الإذاعة أكثر إنتشاراً لعدم وجود التلفزيون. في هذا المكان كانت إنطلاقة السيدة فيروز ووديع الصافي. وعندما انضمّ حليم الرومي إلى الإذاعة تسلّم المكتبة الموسيقيّة وكان السبّاق في اكتشاف فيروز وأعطاها هذا الإسم تيمناً بالأحجار الكريمة”.
في خمسينات القرن المُنصرم، “كانت الإذاعة محوراً في نهضة فنيّة ثقافيّة وأدبيّة شهدها لبنان وعاش إنعكاساتها. إنطلقت هذه النهضة من الإذاعة الأم وتحوّلت إذاعة لبنان الصرح الذي يقصده الجميع من كل أنحاء العالم العربي. كانت مسألة مُستحيلة ألا يزور أي موسيقي كبير لبنان من دون أن يُخصّص زيارة للإذاعة”.
والأهم أن الموسيقي والمغني كان “يطل مُباشرة على المُستمع. وتُعتبر الأستوديوهات في الإذاعة من الأكبر في العالم العربي. وتم تسجيل العديد والعديد من البرامج التمثيليّة المهمّة فيها وكانت لمدة طويلة علامة بارزة في عالم التمثيل”. وكان حلم أي فنان يحلم بالنجوميّة أن “ينجح أمام اللجنة التي كانت ماضياً تُدقّق في الأصوات. وكانت هذه اللجنة تُصنّف المُطرب ضمن الفئات، فئة أولى، فئة ثانية”. وكانت إنطلاقة البعض من الإذاعة، وغالباً ما كان الكبار يُطلقون أغانيهم من إذاعة لبنان. كان لا بد لهم من أن يحصدوا النجاح في الإذاعة أولاً”.
وغالباً ما كان الفنان الكبير فيلمون وهبي، “يزور الإذاعة مُرتدياً العباءة التي اشتهر بها مُتناولاً القهوة ومُتعاملاُ مع المكان وكأنه منزله الثاني”. وبعدما وصلت الإذاعة إلى ذروة نجاحها، ساهم ضعف الإرسال في تدهور حالتها، “واليوم نُحاول قدر المُستطاع وبشتّى السبل أن نسترجع قوتنا ودورنا”.
النهار