شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | تحت الضوء – “شارلي إيبدو”: الضحك من كلّ شيء ولكن ليس مع الجميع!
تحت الضوء – “شارلي إيبدو”: الضحك من كلّ شيء ولكن ليس مع الجميع!
غلاف العدد الأخير من مجلة شارلي إيبدو

تحت الضوء – “شارلي إيبدو”: الضحك من كلّ شيء ولكن ليس مع الجميع!

أسوأ ما حلّ بـ”شارلي ايبدو” ان صيتها ذاع عربياً. من الخطورة أن يتحوّل شيء هامشي “ماينستريماً” ويسقط في يد الجمهور العريض. مع خروج المجلة من دائرتها المغلقة الى الانترنت، بدأ المتصفحون يتداولون تلك الرسوم. الأمر أشبه بأن تضع شاشة في أحد الميادين وتعرض عليها “كراش” لديفيد كروننبرغ، مع ان الفيلم نال جائزة في مهرجان كانّ المنقول عبر كلّ وسائل الاعلام التقليدية في العالم. أو أن تنشر مقطعاً للماركي دو ساد على “تويتر”.

يردد الفرنسيون مقولة شهيرة: “نستطيع أن نضحك من كلّ شيء ولكن ليس مع الجميع”. فما بالك اذا كانت تتأصل في داخل بعضٍ من هذا “الجميع” نيّة سيئة ينظر الى الرسوم انطلاقاً منها، كما انطلاقاً من كراهيته للغرب الذي يمعن بحرية لا يمعن بها في محيطه.
نتيجة توسّع بقعة الجمهور المتفاعل مع كلّ جديد تنشره المجلة الفرنسية الساخرة، اصطدم الدال بالمدلول ودخل الحابل بالنابل، ليسقط نهج رسومات المطبوعة الأناركية التخريبية، في فخّ ثقافة عربية تجرجر تاريخاً من الكآبة خلفها، تمجّد الهاً واحداً وتهمل البُعد الثاني في إلتقاط المعاني، فتميل الى القراءة الأولية السطحية للأمور متجاهلة حقيقة ان الرسومات تتماهى أحياناً مع وجهة نظر مَن تتهكم بهم. يصادف حدوث هذا كله مع تعميم منظومة قيم معلّبة انتشرت في وسائط التواصل الاجتماعي، تلك التي ترفع أصبعها في وجهنا، لتقول ما الصحّ وما الخطأ، وتحدد معايير التفكير الصائب ولغته. هذه الوسائط التي تروّج للأفكار هي نفسها التي تتيح للآخر أن يبلّغ عنك بسبب الأفكار نفسها (في انتظار اعتقالك افتراضياً في يوم من الأيام). يجب التذكير في هذا السياق بأننا بتنا في عصر يطلب من الجميع أن يكوّن رأياً في أي شيء، لا يهم اذا كان له رأي فيه أو لا. واذا لم يفعل يشعر انه لا يشارك في صناعة العالم الحديث.
ما يُعرف بفنّ الـ”ساتير” الذي تنتهجه “شارلي ايبدو” الى أقصى حدّ، لم يكن يوماً خبيثاً، بمعنى انه لا يخفي وظيفته: طعن ممنهج لكلّ ما يتحوّل الى اله صغير. وليس الموت معفى من هذا الطعن كونه يشارك بقوة في صناعة تلك الايقونات. عند شعوره بالصدمة والانتهاك، يتأمل المرء شرطه الانساني أكثر ممّا يتأمله عندما يكون في وضعية مريحة. يطلب فنّ الـ”ساتير” من القارئ بعض التواطؤ الضمني الذي لا يبدي الجمهور العريض بالضرورة استعداداً له. من هنا، خطورة فلش صفحات “شارلي” في الميادين الافتراضية ومحاكمة السخرية الهدّامة في الفضاء المفتوح.
لا تنفع مواجهة الـ”ساتير” بهذا الشكل البدائي وبمفردات من خارج بيئته. في هذا السياق، يجب التذكير بأن “شارلي” ولدت من رحم مطبوعة اخرى كانت أشدّ فتكاً مما يعتبره بعضهم مقدسات، وهي “هارا كيري”، التي اعتمدت شعار “المجلة الشريرة والحقيرة” وانتهجت “فنّ الضرب على كلّ ما يتحرك”. أما في بريطانيا، منتصف سنوات الألفين، فحرّف فنان الغرافيتي بانكسي الصورة الفوتوغرافية الشهيرة للصبية كيم بوك وهي هاربة عارية من منزلها المشتعل بنيران النابالم الأميركية اثناء الحرب، واضعاً اياها بين ميكي ماوس ومهرّج علامة “ماكدونالدز” التجارية وهما تمسكان يديها. الا انه كانت وسائط التواصل الاجتماعي في بداياتها، و”غزو البلهاء”، بحسب تعبير أومبرتو ايكّو، لم يكن قد انطلق بعد. اليوم، مع عودة مقصلة قطع الرؤوس الى الساحات الافتراضية، يكفي أن يتخيّل رسّام “شارلي” أن الطفل الغريق ايلان كبر وصار متحرّشاً في ألمانيا، كي يردّ عليه العقل العربي برسمة تعبّر عن انعدام رهيب للخيال تصوّره طبيباً! حبذا الا يحوّل رشيد المشهراوي السيناريو الثاني فيلماً.
اليوم، نتيجة التداخل المفتعل في المساحات الافتراضية بين صحافة تقليدية محافظة من جهة وصحافة قطعت أشواطاً كبيرة في مجال التحديث والتفنن، بتنا نقرأ مقالات شبه يومية في صحف الأنظمة، محورها: هل تجوز هذه الرسمة أم لا تجوز؟ الصحف عينها تنشر رسوماً تقليدية بليدة تُعتبر الدرجة الصفر في الكاريكاتور. وبعض تلك المقالات البطولية تجدها تدعو الى الحدّ من هذه المهزلة المسماة “حرية تعبير” في الغرب.
انه لزمن عجيب: ثقافة ولّدت أنظمة تعتقل الاصلاحيين وتطلق سراح الارهابيين ويتسلم فيها مجرمو الحرب السلطة ويقبّل بعضهم الجزمة العسكرية، تنصّب نفسها “وصيّة” على حرية التعبير في دولة ترسم الكاريكاتور منذ لويس السادس عشر على الأقل.
لنتذكّر فقط ان مطبوعة كـ”شارلي” هي عندهم نتيجة غياب كلّ ما نعترض على وجوده عندنا: رجل الدين المتاجر بالله، الرقيب الثقافي، شرطة الأخلاق الحميدة. جمهورها الحقيقي يفضّل تجاوزات الحرية وبعض “هناتها” على قمعها. لكن، الصواب السياسي بات يكتسح العالم اليوم ويهدد حرية الخيال التي اكتسبها الغرب بالدم. هذا الصواب يتمسّك به متصفحو الانترنت، ليصنفوك وفقه بتعابير مطاطة: هذا “عنصري” أو “معادٍ للسامية”، ذاك “اسلاموفوبي” او “ذكوري”. إختر ما يطيب لك من أوصاف على مقاسك! عبارات جاهزة تقطع الطريق أمام كلّ محاولة لنقد الموروث والحؤول دون خلق “أنبياء” جدد. لكن، كما هي الحال مع الحكاية الأبدية للمظلوم الذي يتحوّل ظالماً، يبدو ان مَن يتربى في ظلّ أنظمة القمع والرقابة والمنع، يعيد انتاج الرقابة بطريقة أو بأخرى. هناك رقيبٌ صغير في داخل الكثيرين، لا يحتاج الى جهد كبير ليكشف مخالبه.
هوفيك حبشيان
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).