عندما تتابع محاضرات مجموعة من الباحثين المحليين والدوليين واكبوا “شارل مالك الفيلسوف”، تدرك أن المواطن اللبناني يعيش في غربة عن وطن “شارل مالك “، في عصر تحكمه مزاجية المتاريس والصراع المذهبي. فالكلام عن شارل مالك، الذي لم يطلق إسمه على أي مرفق رسمي حيوي، يشعرك بأنه من بلد آخر أو من نسيج اجتماعي آخر.
يبدو أن هناك تنكراً رسمياً لدور شارل مالك الذي رفع إسم لبنان في المحافل الدولية من خلال مساهمته في وضع قوانين الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وقد جاء مؤتمر مؤسسة الفكر اللبناني في جامعة سيدة اللويزة بالإشتراك مع برنامج أنيس المقدسي للآداب في الجامعة الأميركية في بيروت وكرسي مبارك السادس عشر للدراسات الدينية والثقافية في جامعة سيدة اللويزة عن “شارل مالك الفيسلوف” محورياً لإطلاق مشروع نشر تراث شارل مالك في مؤسسة الفكر اللبناني، من خلال الإعلان عن صدور الكتاب الأول لنتاجه بالإنكليزية” المناهج الميتافيزيقية عند هوايتهد” الصادر عن منشورات جامعة سيدة اللويزة وبتحرير من الدكتور حبيب شارل مالك والأستاذ طوني نصرالله.
إقتصر حضور المؤتمر في حرمي الجامعتين المنظمتين له على جمهور نخبوي وسط غياب للشباب الجامعي الذين لم يتعرفوا في المناهج المدرسية على شارل مالك أو أي من رجالات النهضة الفكرية والثقافية من الزمن الجميل.
في علاقة شارل مالك مع السياسيين والمفكرين ومنهم مع عميد “النهار” غسان تويني، لم يعرض مدير مركز فارس للدراسات الشرق متوسطية في جامعة “تافس” في ولاية بوسطن الأميركية نديم شحادة تفاصيل ما جمع بين تويني ومالك كما رواها له غسان تويني خلال لقاء أو أكثر جمعهما بحجة رغبة شحادة في إعداد سيرة تويني التي لم تكتمل فصولها بسبب إنشغالات هذا الأخير الصحافية.
روى تويني لشحادة لقاءه بالزعيم ِأنطوان سعادة بعد عودته إلى لبنان عام 1948 والذي أبدى إستغرابه من تغير جذري عند بعض رفاقه في الحزب القومي. أكمل تويني روايته قائلاً أن سعادة طلب منه في هذه الفترة، التي كان فيها يافعاً، أن يوصل كتاب طرد من الحزب لفخري معلوف بعدما “ترهبن”. يصف تويني لشحادة مدى تردده في إيصال الكتاب متسائلاً عما إذا كان عليه التمثل بمعلوف أو الإستقالة من الحزب.
توقف شحادة عند شرح تويني لسعادة عن أسباب التغيير الذي لمسه عند الرفاق بعد عودته والذي يرتبط بتأثرهم بثالوث متساو: الحرب العالمية الثانية، إستقلال لبنان وهامة شارل مالك.
لم يزودنا شحادة أي معلومات خاصة عن لقائه بتويني لأن هذا يرتبط بموافقة مسبقة من العائلة ولضرورة جمع أحاديث السيدة أمل غندور مع تويني كجزء من السيرة. لكنه إستخلص من لقائه مع تويني أنه خليفة شارل مالك في فكره ودوره السياسي ونزعته الروحية والقومية.
أما عن مشروع توثيق نتاج شارل مالك، فقد أكد رئيس مؤسسة الفكر اللبناني في جامعة سيدة اللويزة الدكتور أمين ألبرت الريحاني لـ”النهار” أن “كتاب “المناهج الميتافيزيقية عند هوايتهد” لشارل مالك هو “أول كتاب فلسفة لمالك، حيث يأخذ على هوايتهد التوغل المادي لهذه النظم دون أبعاد روحانية”. وقال: “الفلسفة الإلهية غير موجودة في نظم ماورائية عند هوايتهد، في حين أن شارل مالك يعلن في غير موقع من كتاباته ومؤلفاته بأن الحقيقة المطلقة تبدأ من الخالق الأعظم”.
وأعلن أن مشاريع “المؤسسة تركز على “البيبليوغرافيا الوطنية” لوجوه لبنانية من مؤلفي فلسفة، لاهوت، تاريخ، أدب ولغة من لبنان كله وطوائفه كلها”. أضاف: “لقد نسخنا كل ما موجود عنه في مكتبة الكونغرس الأميركية مع كل ما تملكه عائلته والتي قدمها لنا الدكتور حبيب شارل مالك، من أوراق، مخطوطات، بحوث، خطب وترجمات. وأشار إلى أن الجيل الجامعي يشارك بإشرافنا في توثيق، طباعة، ومتابعة الأرشيف الخاص لمالك”. وأعلن ان “المؤسسة ستضع روزنامة مفصلة السنة المقبلة لإصدار المؤلفات الخاصة بمالك مع إعداد موقع إلكتروني عن هذا النتاج للإنتشار اللبناني باللغات الثلاث.
وخص الريحاني “النهار” بإلتفاتة خاصة عن مالك الذي كان أستاذه في مقرر عن علم الأخلاق في الجامعة الأميركية والذي كان يفند المادة بمعناها الأخلاقي ويناقشها. وذكر أنه اعتمد في التعليم على ما ذكره في خطابه أن على الأستاذ الجامعي الخلاق أن لا يحرم طلابه من كل ما يعرفه على المستويات المختلفة.
النهار