بعد قيامة الرب يسوع من بين الأموات ، ظهر لرسُله وألقى عليهم التحيّة قائلاً : ” السَّلامُ علَيكُم ! سلامي أعطيكم ، سلامي أمنحُكُم ” ( لو ٢٤ : ٣٦ ) . إنّه السلام الحقيقي ، سلام الفرح الصافي والمحبّة الكاملة ، سلام ينفي الخوف والشك والرعب . هذه التّحيّة بحدّ ذاتها تحمل في طيّاتها معنى السلام الكامل . ماذا يمكننا أن نرجو ونطلب أكثر من ذلك ؟ لقد تلقّى الإنسان تحيّة السلام فجر يوم القيامة ، عند بزوغ شمس الحياة الجديدة ، لإنّ الرّب يسوع المسيح هو سلامنا وحياتنا الجديدة ، حياة القداسة والنعمة والبرّ والحقّ والمصالحة . أجل ، إنّه سلامنا ، هو الذي أصيب بجروح من أجلنا وسُمِّر على الصليب لخلاصنا ، ثمّ وُضِع في القبر ليدفن حياتنا الملطٰخة بخطايانا … لكنّه قام من القبر وشُفِيت جراحه ، إنّما لا يزال إلى اليوم يحمل آثارها . كان من المفيد لرُسُله ، ولنا نحن ايضاً ، أن تبقى تلك الآثار لكي تشفى جراح قلوبهم وقلوبنا . أيّة جراح ؟ جراح ضعف إيمانهم وشكوكهم وخوفهم . عندما ظهر أمام أعينهم بجسد حقيقي : ” أَخَذَهُمُ الفَزَعُ والخَوفُ وظَنُّوا أَنَّهم يَرَونَ رُوحاً ” (لو ٢٤ : ٣٧ ).
لكن ماذا قال الربّ يسوع لهم ؟ : ” ما بالُكم مُضطَرِبين ، ولِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم ؟ ” خير للإنسان أن لا تطغى أفكاره على قلبه ، بل أن يرتفع قلبه إلى العُلى كما يقول القديس بولس الرسول : ” فأَمَّا وقد قُمتُم مع المسيح ، فاسعَوا إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله . إرغَبوا في الأُمورِ الَّتي في العُلى، لا في الأُمورِ الَّتي في الأَرض ، لأَنَّكم قد مُتُّم وحَياتُكم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ في الله . فإِذا ظَهَرَ المسيحُ الَّذي هو حَياتُكم ، تَظَهَرونَ أَنتُم أَيضًا عِندَئِذٍ معَه في المَجْد . ” ( قولسي ٣ : ١ – ٤ ). وما هو هذا المجد ؟ إنّه مجد القيامة …
أمّا نحن ، فإنّنا نؤمن بكلام رُسُله دون أن نرى جسد المخلّص القائم من الموت . لكن في ذلك الوقت ، بدا هذا الحدث مستحيلاً . لكنّ المخلِّص ساعدهم على الإيمان به ، ليس بالرؤية فقط بل باللمس أيضًا ، ليحلّ الإيمان في قلوبهم عبر الأحاسيس وليبشّروا به في العالم أجمع إلى أولئك الذين لم يروا ولم يلمسوا، لكنّهم يؤمنون به وبتعاليمه ووصاياه من دون تردّد ( يوحنا ٢٠ : ٢٩ ).