ترأس قداسة البابا فرنسيس القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس احتفالاً بيوبيل الفتيان والفتيات الذين تتراوح أعمارهم ما بين ثلاثة عشر وستة عشر عامًا، وذلك في إطار الاحتفال بيوبيل الرحمة. واستهل الأب الأقدس عظته بكلمات يسوع في إنجيل القديس يوحنا (13، 35) “إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضًا عَرَف النَّاسُ جَميعًا أَنَّكُم تَلاميذي”، وقال إن الرب يوكل إلينا اليوم مسؤولية كبيرة، يقول لنا إن الناس سيعرفون تلاميذ يسوع من محبتهم لبعضهم البعض. وأشار البابا فرنسيس إلى أن المحبة، بكلمات أخرى، هي بطاقة هوية المسيحي، وتوجّه بعدها إلى الفتيان والفتيات قائلا: هل تريدون أن تقبلوا دعوة يسوع لتكونوا تلاميذه؟ هل تريدون أن تكونوا أصدقاءه المخلصين؟ وأضاف أن الصديق الحقيقي ليسوع يتميّز جوهريًا بالمحبة الملموسة التي تشّع في حياته، داعيًا إلى التتلمذ في مدرسة يسوع، فهي مدرسة حياة لنتعلّم أن نحب.
أشار البابا فرنسيس في عظته إلى أن المحبة هي الدرب إلى السعادة، ولكن ذلك ليس سهلا إذ يتطلب التزامًا، وأضاف: لنفكر على سبيل المثال حينما نتلقّى هدية: فذلك يُفرحنا، وإنما لتحضير هذه الهدية، كرس أشخاص أسخياء وقتًا وجهدًا. كما وأشار إلى الهدية التي قدّمها إليهم أهلهم كي يتمكنوا من المجيء إلى روما للمشاركة في هذا اليوبيل المخصص لهم وقال: لقد نظموا وأعدوا كل شيء من أجلكم، ولقد أسعدهم ذلك أيضًا. وأضاف البابا فرنسيس أن المحبة تعني العطاء، لا أن نعطي شيئًا ماديًا فقط، إنما شيئًا من ذاتنا: وقتنا، صداقتنا وقدراتنا الخاصة.
وإذ أشار إلى أننا ننال من الرب عطايا كثيرة، علينا أن نشكره عليها يوميًا، توجّه البابا إلى الفتيان والفتيات قائلا: أتشكرون الرب كل يوم؟ وأضاف أنه حتى وإن نسينا ذلك، فهو لا ينسى أن يقدّم لنا كل يوم عطية مميزة. ليست هدية نمسكها بين يدينا ونستعملها، بل عطية أكبر، مدى الحياة. فهو يعطينا صداقته الأمينة التي لا ينتزعها منّا أبدا. وحتى إن ابتعدتَ عنه، فيسوع يحبك دائما ويبقى قريبًا منك، ويثق بك أكثر ممّا تثق بنفسك. وهذا أمر بغاية الأهمية. فالتهديد الأساسي الذي يعيق النمو بشكل جيد هو عندما لا يأبه أحد بك. أما الرب فهو دائما معك. وكما فعل مع تلاميذه فهو ينظر إليك ويدعوك كي تتبعه، و”تسير في العمق” “وترمي الشباك” واثقًا بكلامه. يسوع ينتظرك بأناة، ينتظر جوابًا، ينتظر “النَعم” التي ستقولها.
أشار البابا فرنسيس في عظته خلال القداس الإلهي إلى أن الرب، وإذا تتلمذوا في مدرسته، سيعلّمهم أن يجعلوا أيضًا العاطفة والحنان أكثر جمالاً إذ سيضع في قلوبهم النية الصالحة بأن يحبّوا بدون التملك: أن نحبّ الأشخاص بدون أن نمتلكهم. وأضاف أن الرب، وإذا أصغوا إلى صوته، سيظهر لهم سر الحنان: الاعتناء بالشخص الآخر، أي احترامه وحمايته وانتظاره. وإذ أشار بعدها إلى شعورهم هذه السنوات أيضًا برغبة كبيرة في الحرية، قال البابا فرنسيس إن الحرية هي اختيار الخير وما يرضي الله، ولفت أيضًا إلى أنه فقط من خلال خيارات شجاعة وقوية تتحقق الأحلام الكبرى، ودعاهم إلى عدم الثقة بمَن يقول لهم إن الحياة جميلة فقط في امتلاك أشياء كثيرة أو في ارتداء أحدث الأزياء. وأضاف البابا فرنسيس متوجّها إلى الفتيان والفتيات قائلاً إن سعادتكم ليس لها ثمن، وليست “تطبيقًا” يتم تنزيله على الهاتف المحمول. وأشار إلى أن المحبة هي العطية الحرة لمن يملك قلبًا منفتحًا، وهي مسؤولية جميلة تدوم كل الحياة، وهي الالتزام اليومي لمن يعرف أن يحقق أحلامًا عظيمة. إن المحبة تتغذّى من الثقة والاحترام والمغفرة. ليست المحبة قصيدة عذبة يتم حفظها بل هي خيار حياة يُعاش. وأضاف الأب الأقدس أن يسوع يقدّم لنا ذاته في القداس، ويقدّم لنا المغفرة والسلام في الاعتراف. وهنا، نتعلّم أن نقبل محبته وننشرها في العالم. وعندما تبدو لكم المحبة صعبة ـ قال البابا ـ انظروا إلى صليب يسوع، وعانقوه ولا تتركوا يده.
في ختام عظته مترئسا القداس الإلهي صباح الأحد في ساحة القديس بطرس احتفالا بيوبيل الفتيان والفتيات في إطار الاحتفال “بيوبيل الرحمة”، قال البابا فرنسيس: إنكم مدعوون لبناء المستقبل على هذا النحو: مع الآخرين ومن أجل الآخرين، وليس أبدًا ضد أي أحد! ستصنعون أمورا عظيمة إذا استعديتم جيدًا منذ الآن من خلال عيش سنّكم الغنيّة بالعطايا، وبدون الخوف أبدًا من التعب. كما ودعا البابا فرنسيس الفتيان والفتيات لكي تكون أعمال الرحمة برنامجهم اليومي. وهكذا سيعرفون أنكم تلاميذ يسوع وسيكون فرحكم كاملاً.
وفي ختام القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس احتفالا بيوبيل الفتيان والفتيات ـ وقبل تلاوة صلاة “افرحي يا ملكة السماء” ـ وجه قداسة البابا فرنسيس كلمة مقتضبة حيّا فيها جميع الفتيان والفتيات القادمين من إيطاليا وأنحاء مختلفة من العالم وشكرهم على شهادتهم الفرحة ودعاهم إلى المضي قدمًا بشجاعة. وأشار الأب الأقدس إلى الاحتفال أمس السبت في بورغوس بإسبانيا بتطويب الكاهن فالنتين بالينسيا ماركينا ورفاقه الأربعة الشهداء (1936)، وعبّر بعدها البابا فرنسيس عن قلقه العميق والمتواصل على الإخوة الأساقفة والكهنة والرهبان، الكاثوليك والأرثوذكس، المخطوفين منذ فترة طويلة في سورية، وقال: ليلمس الله الرحيم قلب الخاطفين وينعم في أقرب وقت على أخوتنا هؤلاء بأن يتم الإفراج عنهم ويتمكنوا من العودة إلى جماعاتهم. ولهذا ـ تابع الأب الأقدس يقول ـ أدعوكم جميعًا إلى الصلاة، بدون نسيان باقي الأشخاص المخطوفين في العالم.
إذاعة الفاتيكان