افتتحت كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، بالتعاون مع فريق “دال” للدراسات الإعلامية مؤتمر “الإعلام العربي وأسئلة التغيير في زمن التحولات”، صباح اليوم في فندق الريفييرا، برعاية رئيس الجامعة الدكتور عدنان السيد حسين وحضوره. كما حضر المدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسان فلحة، مديرة “الوكالة الوطنية للاعلام” لور سليمان، عميد كلية الإعلام الدكتور جورج صدقة، مدير كلية الإعلام الفرع الأول الدكتور رامي نجم، مديرة كلية الإعلام الفرع الثاني الدكتورة غلاديس سعادة وعمداء وأساتذة الجامعة اللبنانية.
القادري
والقت منسقة المؤتمر الدكتورة نهوند القادري، كلمة قالت فيها: “تلاقينا مجموعة من الأساتذة من كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية للبحث في عنوان مشترك يصب في دراسة التحولات الطارئة على المهن الإعلامية، في ضوء التطورات التكنولوجية والإتصالية الراهنة، فكان فريق “دال”، وسرعان ما وجدنا أنفسنا، كأكاديميين، أمام مجموعة تساؤلات حول مدى صلاحية التكوين المهني وصوابيته، وحول جدوى اعتماد مقاربات أحادية الجانب لمعالجة موضوعات تتزايد تعقيدا يوما بعد يوم، ولا سيما في زمن التحولات الكبرى والمتسارعة”.
اضافت: “لعل هذه التساؤلات تخفي وراءها قلقا مرده أزمة التوسط بين الدولة والمجتمع، أزمة تضرب في العمق دور وسائل الإعلام الجماهيرية، كما المدرسة والجامعة، والأسرة وأمكنة العمل. انها أزمة معطوفة على حراك مجتمعي يتخبط صعودا ونزولا، يصعب عليه أن يستقر في مآل محدد، نتيجة اهتزاز المرجعيات، وخفوت الأيديولوجيات وانهيار التراتبية، ورفض التأطير، وما تبع ذلك من لا مبالاة سياسية ومن تحلل للسياسي Politique Le”.
وتابعت: “صحيح ان الصحافة في أزمة، وان الأزمة تتمظهر في تلاشي القيم والمباديء التي وجهت ولادتها وتطورها منذ قرنين، ما أدى الى تحول على صعيد شروط الممارسة المهنية نفسها، غير ان هذه الأزمة تخفي شيئا آخر أكثر عمقا، انها أزمة آليات التوسط والنقد، أزمة الروابط الإجتماعية وآليات تنشيطها، فالمجتمعات تتحول جذريا، والجميع يبحث عن التجديد في أشكال الممارسة والمشاركة الديموقراطية، ما يعني ان هناك قدرا مشتركا تتقاسمه حاليا الحركات الإجتماعية ووسائل الإعلام، والبنى والهياكل الأكاديمية”.
واشارت الى انه “ازاء هذه التحولات الجذابة من ناحية، والمربكة من ناحية ثانية، وكي يبصر التغيير المنشود في مجتمعاتنا النور، وكي لا نتحول الى مجرد وثائق في العالم الإفتراضي، وكي لا نصاب بالفصام نتيجة التعارض بين العالمين الإفتراضي والواقعي، ولأنه منوط بنا إعادة صوغ شكل جديد لآليات التوسط، لا بد أن يمد أحدنا يده الى الآخر لتبادل الخبرات والتجارب ووجهات النظر أكاديميين ومهنيين، ولا بد من مراجعة نقدية شاملة، كأن نعيد النظر في تموضعنا وأدائنا وطرق عملنا، ومنهجيات تفكيرنا، خصوصا على مستوى إدارة الموارد البشرية، لا بد من اقتناع أهل الأكاديميا أن تطوير المفاهيم والمنطلقات النظرية لا يتم بمعزل عن الخبرات المهنية، ولا بد من اقتناع أهل المهنة ان تطوير آليات العمل الإعلامي وإعادة النظر في المفاهيم التي ترعاها لن يتم بمعزل عن البحوث والدراسات الأكاديمية. فالتحديات الراهنة تملي علينا أن يصغي أحدنا للآخر وأن يبذل كل منا جهودا فائقة للحفاظ على ما تبقى من انتباه، بعدما تكهرب هذا الأخير وترقمن، واستنفذ، ودفعت مبالغ طائلة لجذبه”.
وختمت: “باسم فريق “دال” للدراسات الإعلامية في الجامعة اللبنانية، أشكر معالي رئيس الجامعة على رعايته ودعمه المتواصلين للأساتذة الباحثين، وفي هذا الصدد، كلمة حق تقال، تشجيعك يا معالي الرئيس زاد من شغفنا للبحث ومن مسؤوليتنا تجاه جامعتنا وتجاه وطننا. أشكر وزارة الإعلام ووزارة السياحة على لفتتهما الكريمة تجاه الكلية، كما وأشكر عميد الكلية الدكتور صدقة، على مساندته وصدق دعمه، والشكر موصول لممثل الكلية في مجلس الجامعة الدكتور جورج كلاس ولمديري الفرعين، الدكتورة غلاديس سعادة والدكتور رامي نجم، على جهودهما في إنجاح هذا المؤتمر. أشكر أعضاء الفريق المكون من الأساتذة: احمد زين الدين، جدوسلين نادر، جمال نون، راغب جابر، رامي نجم، زينب خليل، لمى كحال، محمود طربيه، مهى زراقط ووفاء ابو شقرا، والشكر المضاعف لأصغرنا وأنشطنا الدكتورة لمى كحال. أشكر الأساتذة والإعلاميين الذين تفاعلوا مع موضوع المؤتمر وأعدوا بحوثا وأوراقا بهذا الخصوص، وآمل أن يتمكن هذا المؤتمر من فتح الآفاق لمعالجات بحثية لاحقة تضفي معان جديدة على ما يحيط بنا من تحولات. أشكر حضوركم وحضوركن، وأتمنى للضيوف العرب من الجزائر ومصر وتونس والمغرب، طيب الإقامة في ربوع بلدهم الثاني لبنان”.
صدقة
من جهته، قال عميد كلية الاعلام صدقة: “ان تعقد كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية مؤتمرا عن الإعلام العربي في هذا الزمن الذي أسميناه زمن التحولات، لهو إيمان منا بدور الصروح الجامعية، بدور المثقفين والنخب الفكرية، وبالدور الذي يمكن للاعلام أن يلعبه”.
اضاف: “الجامعات هي مناجم الإنتاج العلمي، هي التي تطلق الأفكارالجديدة، هي مختبرات التقدم العلمي والإجتماعي، والجامعة اللبنانية التي تلعب دورا أساسيا في الترقي الإجتماعي وفي تقدم مجتمعنا منذ خمسة وستين عاما لحريصة على الإستمرار في هذا الدور. كذلك النخب الفكرية والثقافية، دورها ريادي في قيادة المجتمع ورسم اتجاهاته من خلال دور نقدي استشرافي يرسم طريق المستقبل. ثم دور وسائل الإعلام، وهي السلطة المنبثقة من العلنية ومن تعميم المعرفة، تكتسب شرعيتها من كونها خدمة عامة تسعى الى تحقيق خير المجتمع، وعلى انها المساحة العامة حيث تتلاقى الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية والإجتماعية وتتفاعل مع بعضها، ووسائل الإعلام هي ايضا الساحة الثقافية بامتياز، بالمعنى الواسع، أي بأدوارها التوعوية والتربوية والنقدية التي تمهد للاصلاح وتفتح الباب الى التغيير”.
واشار الى ان “هذا المؤتمر سيضيء على واقع الإعلام العربي اليوم، وعلى الأدوار المناطة به في ظل التحديات الكبرى التي تعيشها مجتمعاتنا، في زمن التحولات والإستحقاقات المصيرية، وهل هو يمارس الأدوار المأمولة منه”.
وقال: “يمكن أن نستنتج بسهولة ان عالمنا العربي، منذ نشوء غالبية كياناته السياسية الحديثة في القرن الماضي، لم يفسح في المجال للاعلام بأن يلعب دوره، لا كمساحة عامة ولا كسلطة نقدية ورقابية، ولا كأداة تثقيف وترق”.
اضاف: “لقد سعت الأنظمة السياسية العربية الى وضع اليد على الإعلام بطرق مختلفة، وغالبا ما استعملته أداة للدعاية السياسية وللترويج لنفسها، فضيقت مساحات الحرية فيه، وغيبت دوره النقدي الرقابي، فتحول الجمهور العربي عن الإعلام المحلي الى الإعلام الخارجي حتى لمتابعة أخبار بلاده في الداخل. وكان المواطن العربي منذ خمسينات القرن الماضي يلجأ الى إذاعة لندن أوالإذاعات الأجنبية الأخرى ليعرف ماذا يحصل في عاصمته. منذ ذلك الحين أفسحنا في المجال للاعلام الخارجي ليكون مصدر ثقافتنا ومعرفتنا، ونحن ندرك ان هذا الإعلام يسعى الى أهداف كثيرة أخرى غير ذلك، كما انه أداة الإستعمار الفكري والثقافي وزرع بذور الصراعات الداخلية”.
وتابع: “هذا الوضع لم يتغير في زمن الفضائيات في مطلع التسعينيات، فإذا بفضائنا يعج بمئات المحطات الأجنبية التي تسعى الى كسب جمهورنا فيما محطاتنا تعاني من قيود متعددة تحرمها من القدرة على المنافسة. وكم من هذه الفضائيات الأجنبية أو الناطقة بالعربية كانت أداة لزرع النزاعات الداخلية من سياسية أو دينية أواجتماعية، في غياب إعلام محلي محط ثقة عند الجمهور. وما نتناوله عن الوسيلة، يمكن أن نعكسه على المتلقي الذي يتلقف اي شيء من دون مساءلة، وينحو الى الإثارة، وهذا ما لم تبخل له عليه لا المحطات المحلية ولا الخارجية. وإذا أضفنا عند هذا المتلقي غياب الفكر النقدي، يتحول حينها الى ضحية سهلة للبرامج التي تدعي تثقيفه وتدعي كونها صوت الرأي والرأي المضاد، فإذا هي صوت الفتنة والدس. هذا لأننا طوال عقود لم نثقف المتلقي ولم يثق بإعلامه المحلي”.
ورأى “ان الثوارت العربية منذ العام 2011 تقلب المشهدين السياسي والإعلامي معا، حيث نعيش تحولات ليس فقط على الصعيد السياسي، بل ايضا على صعيد وسائل الإعلام، والتحولات في المشهد الإعلامي لا تقل تعقيدا لأنها تطال القوانين والواقع الإجتماعي الجديد، اضافة الى التحولات المهنية الناتجة عن صعود الإعلام الرقمي، وتراجع الورق، والنمو المتزايد لمواقع التواصل التي تصبح بدورها مرتكزات إعلامية لوسائل الإعلام وللجمهور معا، هذا جعل ان دور الصحافي الذي هو الأساس مصفاة للأخبار يختار منها الصحيح والمهم وذي فائدة ليقدمها للجمهور، هذا الدور خضع للتحولات فبات الصحافي يلهث وراء المواقع التي سبقته، والتي راحت تملي عليه مرارا خيارات، لم تكن في ما مضى تستحق الإهتمام. حتى التلفزيون الذي كان يعتبر نفسه متربعا سعيدا على عرش الإعلام، اهتزت سلطته أسوة بالصحافة المكتوبة”.
وقال: “الى هذه التحولات في البنى الإعلامية جاء الحراك السياسي في العالم العربي ليضاعف من دور الإعلام، حيث الكلمة أو الصورة أساسية في تشكيل اتجاهات الرأي. فكيف نشرك الإعلام في تحديات مجتمعاتنا من أجل كسب مسيرة التحولات السياسية، في توعية مجتمعاتنا؟ هل ما زال أداة في خدمة مصالح آنية وشخصية ومشاريع عقائدية ما يفقده مصداقيته؟ أي سلطة يمارسها إعلامنا العربي؟ وهل بقي له من سلطة؟ كيف يتفاعل مع الأنظمة السياسية بعد ثورات 2011؟ هذه الأسئلة ما سيحاول هذا المؤتمر الإجابة عليها”.
واعتبر ان “لبنان لم يعرف حراكا سياسيا اسوة بما حصل في العالم العربي، لكن من السهل أن نستنتج ان سلطة الإعلام فيه الى تراجع رغم مفاخرتنا بأنه الإعلام الأكثر تحررا في العالم العربي”. وقال: “عشنا تراجع سلطة الإعلام اللبناني في أزمة النفايات التي استمرت ثمانية أشهر وعجز الإعلام الذي كان يقرع جرس الإنذار صبح مساء من أن يغير الوضع قيد أنملة، هو أيضا يكشف يوميا فضائح الفساد من دون أن يستطيع السير بأي فضيحة الى المساءلة أو المحاسبة”.
واكد ان “سلطة الإعلام مرتبطة بواقع السلطات الأخرى: التشريعية، التنفيذية والقضائية، ولا يمكن فصل سلطة الإعلام عن هذه السلطات، فحين تتعطل هذه يتعطل دور الإعلام، وهذه القاعدة تنطبق على لبنان كما على الدول الأخرى”. وقال: “وهنا العودة الى الحريات الأساسية في ظل الأنظمة السياسية، الحريات العامة أولا التي تضمنها الأنظمة السياسية التي تؤمن بالحرية، حرية الرأي والفكر والتعبير والممارسة السياسية، هنا ربما تكمن مشكلة العالم العربي الأولى وهي غياب الحريات التي تعطل في طريقها دور الإعلام”.
وتابع: “تحت شعار الحفاظ على الأمن العام، أو التقاليد أو الدين، قيدنا الفكر وحولنا أوطاننا الى معسكرات، تولد عنها الفكر التكفيري والإقصائي، نقيد الإعلام ونمنعه من الوصول الى مصادر المعلومات ومن لعب دوره الرقابي والنقدي. انه تحدي جامعاتنا بأن تطلق نخبا متحررة، أن تزرع من جديد ثقافة الحرية والتعدد الفكري والتقدم ورخاء الإنسان واحترامه”.
وأعلن “ان كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية مدركة لدورها، وهذا المؤتمر يصب في هذا الإطار، ويسرني أن أعلن ان معالي رئيس الجامعة اللبنانية، وفي إطار مجلس الجامعة، أطلق الأسبوع الماضي مركز الأبحاث العلمية في كلية الإعلام وإنشاء مختبرات علمية فيها، ما يفسح في المجال لزيادة مساهمة الكلية في البحث العلمي الذي هو اليوم من أولويات سياسة الجامعة”.
وشكر صدقة المشاركين في هذا المؤتمر، “وهم من النخب الذي يؤمنون بأن تقدم مجتمعنا العربي هو من مسؤوليتهم، وان الفكر والثقافة هما الطريق التي التقدم والمستقبل.
شكرا للحضور الكريم، وعلى أمل تحولات إيجابية لأوطاننا ولشعوبنا العربية، عاشت الجامعة اللبنانية وعاش لبنان”.
السيد حسين
وكانت كلمة لرئيس الجامعة السيد حسين قال فيها: “إن عنوان هذا المؤتمر “الإعلام العربي وأسئلة التغيير في زمن التحولات” هو عنوان عريق يمكن أن نجد تحته عناوين فرعية متعددة، لكن من خلال اطلاعنا على ملخصات الأوراق التي ستقدم في المؤتمر والتي ستجمع في كتاب يصدر لاحقا عن مركز دراسات الوحدة العربية، لاحظت أمرا أتفق مع الباحثين عليه وهو الفوضى الإعلامية الضاربة في بلادنا العربية، فمن جهة ننتقد عقودا من القهر والتضييق من خلال أنظمة توتاليتارية، ومن جهة أخرى نقول هذه الحريات التي نتحرك من خلالها أصبحت بلا ضوابط. إذا المطلوب هو الضوابط، فلنبدأ بضوابط قانونية”.
أضاف: “أنا أعترف كمسؤول في هذه الدولة أيا يكن الموقع، أن قانون الإعلام المرئي والمسموع الصادر في الدولة اللبنانية سنة 1994 لم يطبق. وبمراجعة القانون نجد أن هناك تحديدا لكيفية تكوين وإنشاء جهاز إعلامي في الكادر البشري، في التمويل وفي الدور الوطني”.
واكد “ان مسألة دور الإعلام الرقمي والعامل الإتصالي في الإعلام العربي هي مسألة ذات أهمية بالغة في عصرنا الحالي، إذ لم نستطع أن ننسحب من هذا العالم الرقمي الجديد فنحن في داخل هذا العالم حتى لو لم نرد ذلك، وعلينا أن ندرس بعمق تأثير التطور التكنولوجي على وسائل الإعلام وعلى كل التغيير والتحولات التي يتم درسها في هذا المؤتمر”.
وقال: “أحيانا يبدو الإعلام ضحية ومغلوب على أمره، وأحيانا يبدو الإعلام أنه مفتئد على حرية الشخص وذوقه في منزله عندما يشاهد مناظر الجثث المقطعة مثلا أو فنون التعذيب التي يتقنها الإرهابيون والداعشيون وما أكثرهم من فئات وطوائف وجهات متعددة. فما هي الضوابط؟ قد تختلف المجتمعات الإنسانية لكن علينا أن نلاحظ هذا الجذع المشترك بين كل الثقافات والحضارات التي تحترم الذوق الإنساني وحرية الإنسان والشخصية الوطنية”.
وطنية