بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة تعقد في تركيا – اسطنبول في الثالث والعشرين والرابع والعشرين من الشهر الحالي وللمرة الاولى، القمة الإنسانية العالمية وغايتها وضع جدول أعمال للعمل الإنساني يستجيب تحديات الانسانية المستقبلية، وذلك تماشياً مع القيم الإنسانية.
وفي ضوء عنوان القمة والتحديات والأهداف والقيم الإنسانية، أرى أن أربط بين جدول أعمال القمة والمناخ العالمي الجديد الذي تسيطر فيه الثورة الصناعية الرابعة أو Robot بعد الثورة الصناعية الثالثة الرقمية Digital والتعديات والانتهاكات لحقوق الإنسان في كثير من البلدان، مع التأكيد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وضعته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ثلاثين مادة.
إن التحديات والمسؤوليات التي حدّدها الأمين العام في جدول أعمال القمة تنحصر في:
1 – القيادة العالمية لمنع الصراعات وإنهائها.
2 – دعم المبادئ والقيم التي تحمي الإنسانية (المادة /7/ من إعلان حقوق الإنسان :كل الناس سواسية أمام القانون ولهم حق التمتع بحماية متكافئة…
3 – عدم إهمال أي شخص، رجلاً أوامرأة أوطفلاً،عبر تخفيف النزوح، ودعم اللاجئين والمهاجرين وإزالة الفوارق التعليمية ومكافحة العنف الجنسي…
4 – تغيير واقع الناس من طلب المساعدة الى الاكتفاء بحاجاتهم.
5 – التوظيف في الإنسانية.
هذه هي التحديات التي تشكل جدولاً للقمة ولا بدّ من تسليط الضوء على تحديات فرضتها الثورة الصناعية الرابعة والانتهاكات المتكررة للاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي:
أ – التأكيد على احترام وتطبيق الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العمومية في كل نصوصه، وخصوصاً المادة /13/ التي تنصّ على حق العودة لأي إنسان وما حرفيّته: “يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما تجب العودة اليه”.
إن القمة مطالبة بتنفيذ القرار /190/ الصادر عن الامم المتحدة المتعلّق بعودة اللاجئين الفلسطينيين، كما هي مطالبة بمساعدة النازحين السوريين على العودة الى بلادهم عبر تحقيق الأمن والسلام واعتباره حقاً ولزاماً وتأمين شروط هذه العودة.
ب – إنّ تقدّم العلم والتكنولوجيا بفضل الثورة الصناعية الرابعة قد أدى الى تملّك الكثير من الدول الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، وإن استعمالها في الحروب والثورات يشكّل أيضاً تحدياً أمام القمة لتجنّب إبادة البشر والحفاظ على البشرية ومكافحة الإرهاب والقتل للأبرياء والأطفال والعُزّل عن طريق تحديده وتعريفه وتحديد الآليات التي تستأصله ومكافحته على مستوى عالمي، لأنه أصبح ظاهرة عابرة للحدود والكائنات والدول، وهذا تماشياً مع حقوق الإنسان التي تضمن سلامة الأشخاص (المادة /3/ منه).
ج – إن الثورة الصناعية أحدثت خللاً في الإنسانية، إذ جعلت الآلة متقدمة على الإنسان. والاتكال على الآلة لا على اليد العاملة البشرية عطّل في الإنسان الشعور والروح، وطغت المادية المطلقة والعدمية على القيم الإنسانية، علاوة على ما أحدثته من بطالة لليد العاملة منتهكة المادة /33/ من الإعلان الذي نصّ على مبدأ: “لكل شخص الحق في العمل وله حرية اختباره بشروط عادلة مرضية كما أنّ له حق الحماية من البطالة”.
إن إحلال الروبوت محل الإنسان والتوجه نحو هذا السياق هو تحدٍ أمام القمة الإنسانية للعمل على وضع أُطُر وأنظمة تحمي الإنسان المعاصر من هذه البطالة المتوحّشة.
إن الثورة الرقمية قد حدّت من الحرية الشخصية ونزعت الخصوصية بفعل التكنولوجيا، وذلك خلافاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا سيما المادة /12/ التي تمنع التدخّل في الحياة الخاصة.
د – إن التوظيف في الإنسان هو التوظيف في إحداث التوازن بين القيم الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية بحيث تُصاغ هذه القيم في منظومة مترابطة متناسقة فلا تطغى أحداها على البقية.
إن الإنسان المعاصر يعاني أزمة في القيم على أنواعها، فحريّ بهذه القمة أن تضع التصوّر وتحدد آليات العمل عبر لجان ومؤسسات لحماية الإنسان من الظلم والاستبداد والتهجير والقتل والبطالة وتفضيل الآلة عليه. لأنّ الإنسان هو الذي صنع الآلة بعلمه، ولكن بقيمته الإنسانية والأخلاقية يحمي هذا التقدم العلمي ويصونه. والقمة مطالبة كمؤسسة دولية بتنفيذ قراراتها الأممية وحماية الإنسان لأنه خليفة الله على الأرض.
النهار