إنّ موقف غبطة البطريرك الراعي من مأساة حلب بالأمس مهم جداً، كذلك موقف سيادة المطران عوده سابقاً عندما وصف تلك الحرب بأنّها ليست مقدسة ولا مباركة، ولا شك في أنّه سيكون لهذه المواقف صدى طيب في ارجاء العالم العربي، آملين أنّه يضع حداً لهذه المحنة الكبرى.
و لا بدّ من القاء الضوء على موضوع السلاح الروسي وعلاقة روسيا بالبلاد العربية واسرائيل، لعل في ذلك خدمة للحقيقة وجلاءً للغموض منذ قيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين حتى اليوم، لقد أثار تدفق السلاح الروسي الكثير من اللغط، وقد ازداد ذلك بعد التدخل العسكري المباشر بين مؤيّد مهلّل ومعارض مستنكر.
لقد تدفق السلاح الروسي ثم تبعه التدخل المباشر للجيش الروسي بالتنسيق مع اسرائيل، هذا في العلن، أمّا في السر، فهناك ما هو أعظم وأدهى. ومما يؤسف له أنّ غالبية المحللين السياسيين والصحافيين كثيراً ما غيّبوا العامل الاسرائيلي ودوره في تمزيق النسيج العربي وتدمير اقتصاده.
فاذا كان القرن العشرون هو زمن تنفيذ اتفاق سايكس – بيكو، وهي انتاج صهيوني مئة في المئة، حيث حققت الحركة الصهيونية احلامها الكبرى، إذ نالت الوعد (وعد بالفور) في نهاية الحرب العالمية الاولى. ثم اقامت دولة اسرائيل على ارض فلسطين في نهاية الحرب العالمية الثانية. أمّا بعد كارثة 1967 فانتقلت الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل الى تنفيذ المشروع الأخطر الذي اعلنه ليفي اشكول في الكنيست الاسرائيلي في 24 ايار 1967 بعنوان أمن اسرائيل الذي يقتضي أن لا يبقى الشرق العربي أحادي القومية، بل يجب أن يكون متعدّد القوميات والاتنيات التي تتصارع في ما بينها.
و هكذا فإنّ العرب والاصدقاء والاعداء يساهمون،على حد سواء، في تحقيق هذا المخطط الصهيوني بتمزيق العالم العربي واعادته الى أكثر العصور تخلفاً وتعصباً وانهياراً، وأنّ كل ما يجري هو في مصلحة ذلك العدو. واذا توقفنا عند بعض المحطات التاريخية المفصلية نجد أنّ السلاح الروسي دائماً هو في خدمة المشروع الصهيوني. فعام 1948 حين قيام دولة اسرائيل في فلسطين، كانت الطائرات السوفياتية والتشيكية تزود العصابات الصهيونية السلاح من الجو بالمظلات.
منتصف خمسينيات القرن الماضي وإثر عقد مؤتمر دول عدم الانحياز في مدينة باندونغ في اندونيسيا، والذي كان من اقطابه الكبار في ذلك الوقت الرؤساء جمال عبد الناصر (مصر) وجواهر لال نهرو (الهند) وجوزف بروز تيتو (يوغوسلافيا سابقاً) واحمد سوكارنو (اندونيسيا) والزعيم الصيني الشيوعي شو آن لاي. وإثر هذا المؤتمر وعد الاتحاد السوفياتي بتزويد العرب السلاح لمواجهة الدول الاستعمارية واسرائيل. واعتقد العرب أنّ السلاح الروسي سيكون عوناً لهم ويسد حاجاتهم لمواجهة اسرائيل واسلحتها المتطورة التي تمدّها بها دول الغرب.
إثر عقد أول صفقة سلاح بين مصر وتشيكوسلوفاكيا أقامت اسرائيل الدنيا وأقعدتها. وقد نشرت صحيفة “عالهاشمار” الناطقة بلسان حزب “ماباي”، موقفاً معبّراً في 7 تشرين الاول 1964، ورد في مقال على النحو الآتي:
نحن واثقون من صدق التأكيدات السوفياتية الرسمية لحكومة اسرائيل التي تقول بأنّه ليس في علاقات الاتحاد السوفياتي مع مصر أو غيرها من الدول العربية الاخرى مسألة بيع السلاح وتقديم القروض المالية والتعاون العقائدي ما يؤذي اسرائيل في المرحلة النهائية.
وفي محاضرة القاها المستشار الاول للسفارة السوفياتية في تل ابيب على طلبة الجامعة العبرية، ونشرتها صحيفة “هآرتس” في 4 شباط 1965 : “نحن مستعدون لحظر السلاح عن المنطقة العربية لكن حركة التحرر اليسارية في العالم العربي تحتاج الى السلاح لتكافح الرجعية العربية، وتقضي عليها وعلى من يساعدها من قوى الاستعمار. وأنّ القضاء على الرجعية العربية سيزيل خطر العدوان العربي على اسرائيل. فالدبابات والأسلحة الروسية في جيوش الدول الثورية العربية هي لحماية الثوريين في مسيرة الصراع والحروب الطبقية وليست لمواجهة الجيش الاسرائيلي وحماية حدود البلاد”.
و ليس من قبيل الصدف أن يترافق الغزو الروسي لسوريا مع الهجمة الصهيونية الوحشية على المسجد الاقصى لتهويده، وما يجري في أغلب الاقطار العربية يؤكد بوضوح أنّ الامة العربية هي ضحية هجمة بربرية صهيونية روسية شعوبية بغطاء اميركي وعالمي لتمزيقها والقضاء على دورها ووجودها الفاعل.
يتبيّن ممّا تقدّم أنّ الحرب الروسية ليست مقدسة ولا مباركة، وأنّ السلاح الروسي هو لقتل العرب وليس لتحرير فلسطين.
منيف الخطيب
النهار