أزمة الصحافة الورقية تضرب بقوة، وتهدّد مؤسسات عريقة وعدد كبير من الصحافيين الذين امتهنوا حرفة الكلمة، ولم يحملوا سوى القلم والورقة يعيلون بهما عائلاتهم، بكل ما تحمله هذه المهنة من مخاطر وسهر وتعب.
في مواجهة موجة المواقع الالكترونية، والأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان والمنطقة العربية، وتراجع السوق الاعلانية، وانخفاض الاشتراكات والمساعدات، تقف الصحافة شبه عاجزة عن الاستمرار، وتواجه بلحم الصحافيين الحي وعرقهم وتضحياتهم الظروف الصعبة لكي تبقى المؤسسات التي صنعت مجد الإعلام في لبنان والعالم العربي، وتستمر… والدولة في خبر كان.
وبعد إعلان ناشر “السفير” طلال سلمان نيته الاقفال، وفي غمرة الأزمة المالية التي تعيشها “النهار”، وهما الصحيفتان الأعرق في البلد، وأمام عمليات الصرف وخفض النفقات التي تتبعها بقية الصحف، لم تحرك الحكومة ساكنا، ونأت نقابة الصحافة بنفسها وكأن الأمر لا يعنيها، أو كأنه يجري في كوكب آخر. لكن وزير الإعلام رمزي جريج تهيّب الوضع، ونقابة المحررين تحسست خطورته وتبعاته، ووضع كل منهما مذكرة باقتراحات وأفكار تساعد في إيجاد حلول عملية للأزمة التي تطال آلاف الصحافيين وعائلاتهم، وتنقذ الصحف.
دعم مادي مباشر
منذ أكثر من شهر رفع جريج مذكرته الى مجلس الوزراء، ولكن لم يتم البحث فيها بعد، في انتظار جواب وزارة المال التي تجري تقويما للكلفة المالية للمشروع. وفي لقاء مع “النهار”، أكد جريج أنه يتابع الموضوع من دون كلل، وينتظر جواب وزارة المال لوضع المذكرة على جدول أعمال مجلس الوزراء. وقال إنه رفع “مشروعا متكاملا مستوحى من التشريع الفرنسي، تقوم النقطة الأساسية فيه على تقديم دعم مادي مباشر من الدولة للصحافة الورقية، واقترحت مساهمة قيمتها 500 ليرة على مبيع كل عدد من الصحف التي تصدر حاليا، وهي لا تتجاوز العشر، وتواكب هذا الحل آلية لمراقبة عدد الجرائد المبيعة، وهذا يشكل حافزا لزيادة البيع وتحسين الاداء، وكلفته ليست باهظة على خزينة الدولة، إذ تبلغ 10 ملايين دولار سنويا. وسنبحث مع حاكم مصرف لبنان إمكان جدولة ديون أصحاب الصحف، وحصولهم على قروض ميسرة بأسعار فائدة مخفضة بواسطة المصارف التجارية، على غرار الدعم الذي تقدمه لشراء الوحدات السكنية”.
وكشف عن اقتراحات أخرى تتضمنها المذكرة، مثل “الإعفاءات الجمركية على استيراد الورق والأدوات الطباعية، والتزام الإدارات والمؤسسات العامة أخذ اشتراكات من الصحف وتوزيعها على العاملين لديها، وخفض فاتورة التلفون والإنترنت على الصحف، وتحميل الدولة تعرفة الاعلانات نفسها للأفراد وعدم التأخر في تسديدها… هذه الأفكار تشكل دعما كافيا في المرحلة الأولى “فإذا كبرنا الحجر ما بيعود يصيب”، معتبرا أن “على الصحافة ان تطور نفسها وتتكامل مع مواقعها الالكترونية”.
في مذكرة وزير الاعلام لم يرد ذكر للصحافيين، ويبرر ذلك بقوله “بحماية الصحيفة أحمي الصحافي الموظف. وعندما يبحث مجلس الوزراء في مشروعي سأعرض الأفكار الواردة في مذكرة نقابة المحررين، والتي يمكن الأخذ بها”.
الأساس ديمومة العمل
من ناحيتها تتابع نقابة المحررين تطور الأزمة منذ البداية، ورفعت الى وزير الإعلام مشروع مذكرة تضمن عددا من الحلول والاقتراحات. وانطلاقا من اعتبارها ان استمرار الصحف في الصدور هو شرط أساسي لديمومة عمل المحررين، أبدت حرصها على “ديمومة عملهم في مؤسساتهم سواء ظلت الصحف الصادرة عنها ورقية أو تحولت الى جرائد الكترونية”. وللحد من الأخطار المهددة للصحف طرحت عددا من الاقتراحات، أبرزها: إنشاء صندوق يطلق عليه اسم “الصندوق الوطني لدعم الصحافة اللبنانية” تتمثل فيه وزارات المال، والإعلام، والثقافة، والتربية والتعليم العالي، والاقتصاد الوطني والتجارة، والعمل، ونقابتا الصحافة والمحررين، ويكون مستقلا ويمول من القطاعين العام والخاص، ويعمل وفق آلية ونظام خاصين، ولا تكون مساعداته للصحف والمجلات خاضعة لأي شرط من أي نوع، وتمنح المساعدات وفق معايير تحددها لجنة من الخبراء والاختصاصيين، آخذة في الاعتبار عدد العاملين والرواتب.
وتقدمت النقابة كذلك بسلسلة اقتراحات عملية منها:
– فرض رسم 200 ليرة على كل صفيحة بنزين ومازوت.
– فرض سنت واحد على كل دقيقة تخابر على الهاتف الخليوي لتغذية موارد الصندوق.
– رفع قيمة الإعلانات الرسمية بنسبة 200% وضمان توزيعها بعدالة.
– توفير الورق مجانا للصحف والمجلات، بما يعادل 75% من كمية استهلاكها، مع ضوابط لضمان استخدامها في الوجهة الصحيحة.
– إلغاء رسوم الاشتراك وخفض الرسوم على الهاتف الخليوي والثابت بنسبة 65%، وكذلك على خدمات الانترنت.
– تحمل الدولة الرسوم البلدية على المؤسسات الصحافية والاعلامية ومنازل العاملين فيها ومكاتبهم بموجب قانون، بدلا من صيغة قرار التريث الذي يصدر دوريا عن وزير الداخلية.
وطالبت أيضا بإنشاء صندوق تقاعدي للصحافيين، يكون الانتساب اليه إلزاميا، ويمول من اقتطاع نسبة من الرسوم المشار اليها اعلاه والمتوافرة من صندوق الدعم، إضافة الى نسبة من رواتب الصحافيين. وأكدت أن بدء تنفيذ الخطة الإنقاذية للصحافة اللبنانية يقتضي إطار عقد عمل جماعي بالاتفاق بين نقابتي الصحافة والمحررين، ينظم العلاقة بين الصحافيين ومالكي المطبوعات العاملين فيها لصون حقوقهم وتطبيق شركة فعلية تنعكس إيجابا على ديمومة الصدور والعمل (…)
إذاً الحلول لأزمة الصحافة اللبنانية موجودة إذا قررت الدولة معالجتها، واعتبرت ان من واجبها إنقاذ السلطة الرابعة الورقية التي تعد من أسس النظام الديموقراطي الحر الذي يتبعه لبنان، قبل أن تمتد الموسى الى ذقن وسائل الاعلام الاخرى. وإلا ماذا يبقى من قيمة للبنان بلد الكلمة والحريات في المنطقة؟
النهار