شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | إعلام و ثقافة | شوقي بزيع لـ”النهار”: يستحقّ الشعر أن يأخذني إلى حيث يشاء لأكتب ما أجهله (2 من 2)
شوقي بزيع لـ”النهار”: يستحقّ الشعر أن يأخذني إلى حيث يشاء لأكتب ما أجهله (2 من 2)
شوقي بزيع

شوقي بزيع لـ”النهار”: يستحقّ الشعر أن يأخذني إلى حيث يشاء لأكتب ما أجهله (2 من 2)

في هذا الحوار يجيب الشاعر شوقي بزيع عن أسئلة “النهار”، التي انطلقت من ديوانه الأخير، “إلى أن تأخذني أيها الشعر”، لتعرّج على مسائل أدبية وثقافية ونقدية دقيقة، تطرّق إليها، وواجهها في تجربته الطويلة مع الكتابة، تتصل بالشعر نفسه، والوجود والحياة والحبّ والطفولة والطبيعة واللغة الشعرية.

* تغلب على قصائد الديوان النبرة الغنائية الهادئة، ومزج بين الشكل والمعنى، إلى جانب توظيف الكثير من رموز الميثولوجيا. بماذا يختلف ديوانك الأخير عن الدواوين السابقة من الناحية الفنية؟
– الشاعر هو نفسه وخلافه في آن واحد، تماما كما هي حال النهر، هناك تنوّع الماء ووحدة المجرى، فالنهر هو واحد ومتعدّد، وقد يصحّ هذا الشيء على تجربتي كما على تجارب أخرى، إذا كان الرجل هو الأسلوب كما يُقال في المثل الشائع، فإنّ هذا الأسلوب لا يعني النمطيّة والتكرار الدائم لما سبق أن تم إنجازه، ولكنه لا يعني أيضا انقطاعا مع ماضي الشاعر أو مع ماضي تراثه البعيد. أحاول باستمرار أن أنقّي لغتي من الإفاضات الزائدة، من عناصر الإفراط في البذخ الجماليّ، من الصنيع التركيبي. وطبعا، رغم أنّ العرب سمّوا الشعر والنثر الصناعَتَين، ولكن الصنعة لا يجب أن تتحوّل إلى تصنّع وإلى افتعال بقدر ما هي مهارة مزدوجة في تصيّد العناصر الّتي تتألّف منها القصيدة بشكل حاذق، ومهارة في إخفاء الصّنعة الّتي يمتلكها الشاعر أو يستخدمها، لذلك فإنّ المهارة هي في إخفاء المهارة . هذا ما أحاول العمل عليه دائما، لذلك ترين في قصيدتي محاولة لأن تقدّم معنى وإضافة وخبرة بالنسبة للقارئ، واقتراحا لقراءة الأشياء، ولكن دون أن أتخلّف في الوقت ذاته عن العناصر الأسلوبيّة، يعني رشاقة الأسلوب، الديناميّة الداخليّة في القصيدة، البُعد الدرامي الذي يقوم على تعدّد الأصوات وعلى التّضاد الّذي سبق وأشرتِ إليه في السؤال السّابق. طبعًا، أنا أحتفي بالصّورة احتفاء بالغًا. أحيانًا أقاوم الغنائيّة المتّصلة بالموسيقى، أغادر القافية في الكثير من الأحيان بشكل نهائيّ. وأحيانًا أباعِد بين القوافي لكي لا تتحوّل القصيدة إلى كمائن متكرّرة لقوافٍ لا لزوم لها. والقافية، من جهة ثانية، تمنع التوالد التلقائيّ للمعنى، لأنها تحدّ منه، ثمّ يشعر القارئ بأننا أوصلناه إلى نصف البئر ثمّ أعدناه مرّة ثانية. لذلك أنا ضدّ التماثل النمطي في مسألة الإيقاع سواء أكان وزنًا أو قافية، وفي الديوان الأخير هناك استخدام للعديد من البحور الشعريّة، ولا تزال هناك قدرات أكبر لاستخدام بحور أخرى، وهذه المسألة مطروحة على الشعر الحديث برمّته.
إذًا لم أعد آبَه كثيرًا، على سبيل المثال، للصّوت العالي وللخطابيّة الّتي تستدِرّ التّصفيق أو لإرضاء الجمهور بقدر ما آبه أكثر إلى صوتي الداخليّ. ولكن يجب أن ننتبه هنا، بقدر ما نلتصق بأنفسنا، نلتصق بالعالم الخارجيّ، كلّما ذهبنا بعيدًا في أعماقنا، كلّما التقينا بالآخرين.
*إلى ماذا تُرجِع هذا التّحول؟
– إلى النضج بالطبع. ما أكتبه الآن لم أكن أستطيع كتابته في العشرينات والثلاثينات. لكن هناك مَن يقول أيضًا، بخُبث أو من غير خبث، بأنّ ما كتبته في العشرينات والثلاثينات لا أستطيع أن أكتبه الآن أيضًا، وهذا شيء صحيح. بمعنى أنّ التفجّر الغنائيّ والإنشاديّ الذي كان يرافق مراحلي الأولى، وهي كانت مراحل أقرب إلى الغناء العاديّ والتطريب أحيانًا، لا أستطيع أن أعيده الآن، حتى لو حاولت. لحسن الحظّ أنّني أحتفظ بقدر وافِر من غنائيّتي السابقة، وهو ما يعود إلى تكويني الشخصي. أنا شخص عاطفيّ بشدّة. هذه الحرارة الموجودة في مشاعري وتكويني الشخصيّ تخفّف من البعد الذهني للكتابة الشعريّة عندي، يصبح هناك نوع من التطرية للأسلوب، وللرشاقة التي تمنع اللغة من أن يحتكّ بعضها ببعضها الآخَر. هي بدلًا من ذلك، تحتك بالحياة نفسها. مشكلة الكثر من الشعراء، أنّ الشعر عندهم هو احتكاك للّغة بنفسها. تشعرين بأنّ الشاعر لا يتّصل بشيء، بل هو مهندس ألفاظ ويحضّر القصيدة في مختبر لغويّ حياديّ ومنفصِل عن العالم.
* في “سبعة وجوه للانتحار” و”رقصة سالومي” تتخذ من رأس يحيى، أو وجوه الموتى، مدخلا لتصوير لعبة الحياة في الموت، ولعبة الحياة في الشعر. ماذا رأيت؟
– في “رقصة سالومي” هناك نوع من المقايضة بين الفن والحياة. كثيرون لا يعرفون أنّ سالومي، إدراكًا منها لضراوة ما تمتلكه من جمال ومن قدرة على الإدهاش عبر حركات جسدها الأفعويّ، لم ترضَ بأن تقدّم رقصتها، التي توصِل الجسد إلى تخومه الشهوانيّة القصوى، أقلّ من رأس يوحنا المعمدان ثمنًا لما تقدّمه. هذا جانب من الموضوع، مهمّ جدًا، وهو ما دفعني إلى الكتابة عن موضوع، أصلًا، كُتِبَ عنه الكثير من القصائد والمسرحيّات والأعمال الموسيقيّة، وليس جديدًا. ولكن على كل كاتب أن يقدّم عبره رؤيته المختلِفة إليه. الأمر الثاني، قرأت أنّ سالومي كانت تحبّ يوحنا المعمدان وأنّه لم يبادلها الحبّ، فانتصرت لكرامتها عبر قتله، وانتقمت لجمالها الجريح عبر قتل يوحنا. هذه العناصر جميعها دخلت في القصيدة التي تحاول اللغة عبرها أن تحضّر رقصة. تتدرّج اللغة من العنصر الإيقاعيّ البطيء في البداية لكي تتدافع بسرعة مطّردة وصولًا إلى الذروة في نهاية القصيدة. استعملت جناسًا مقصودًا وصائبًا هنا، هو مقايضة الرأس بالرقص. هنا، أحسست أنّ الجناس وقع في مكانه تمامًا. في “سبعة وجوه للانتحار”، انطلقت الفكرة من معاناة عاشتها شقيقتي الصغرى ليال، عبر إقدامها على الانتحار غير مرّة، ما تسبّب لها وللعائلة بأذى نفسيّ. وبما أنّه تربطني بشقيقتي علاقة خاصّة، شعرت بأنني أريد تكريمها عبر هذه القصيدة. ويجب أن أشير، للأمانة هنا، إلى أنّ كتاب الصديقة جمانة حدّاد عن الشعراء المنتحرين “سيجيء الموت وستكون له عيناك” شكّل نوعًا من الحافز لكتابة هذه القصيدة، لأنّه كتاب جميل وفيه الكثير من الجهد، سواء في التقديم أو في الاختيارات. في الواقع ما فعلته هو أنّ سبعة وجوه للانتحار، هي سبعة وجوه للموت، من دون أن أدخل في التفاصيل الصغيرة، ولم يكن بالإمكان إلا أن أستحضر انتحار خليل حاوي الذي خصصته بمقطع من هذه المقاطع. مع ذلك شعرت أنّ هذه القصيدة أقرب إلى العمل السمفوني، هي سمفونيّة من سبع حركات، يُكمِل بعضُها بعضًا. هذه القصيدة ليست حضا على الانتحار بقدر ما هي محاولة لفهم اللحظة التي ينقطع فيها البثّ كاملًا عن كلّ ما يحيط بنا، ويصبح الموت نداءً وحيدًا يصغي إليه المنتحر، أو ضوءًا ينتظره في نهاية حياته أو خلاصًا يذكّرنا بقول المتنبّي: “كفى بكَ داءً أن ترى الموتَ شافيا”.
النهار

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).