لم أقرر هذه المرة، الغوص في مجالات القانون المتشعبة، وذلك لسببين: الاول هو الطقس الحار الذي يمنعني صراحة من التنقيب في عالم القانون الواسع، وعذراً لصراحتي، و السبب الثاني والاهم، هو مصادفة اليوم (21 حزيران) عيد الاب، هذا العيد المقدس الذي له معنى خاص، بالنسبة الي و بالنسبة الى كثيرين.
لم أقل، في بداية مقالي، أن لعيد الاب نكهة خاصة، بل معنى خاص، وهذا طبعاً متعمد ومقصود. فالنكهة لا نستذوقها إلاّ في الطعام، أما المعنى ففي حنان الاب وشخصيته وفي كل ما يقدمه الى أولاده وزوجته وبشكل أعم الى عائلته. على الرغم من ذلك يمكننا، في كل لحظة، أن نتذوق حنان الاب تماماً مثل تلك الشهية التي نستذوقها في الطعام أو المشرب، لأن حنان الاب يدخل أعماق النفس البشرية والقوى العقلية في جسم الانسان (خاصة لدى الاولاد) ويفعل فعله تماماً مثلما الطعام يغذي الجسد ويساهم في شكل مباشر في نموه.
قصتي مع الابوة غريبة بعض الشيء، اذ كان لي أبوان وليس أب واحد. كان لي بطبيعة الحال، الاب البيولوجي الذي يفرضه نظام الطبيعة البشرية ونظام التكاثر لدى البشر، وانما كان لي أيضاً اب آخر، وهذه أبوة خاصة لا تفرضها الطبيعة، هو خالي (الصيدلي الدكتور ميلاد) الذي لعب، خلال سنوات طوال، دور الاب والخال، في آن واحد.
ربما لا يستغرب بعض الناس هذا الوضع. بل في رأيي هذا وضع أصفه بالمثالي، في وقت ربما لا يرى الاخوال وعموم الاقارب أولاد أشقائهم وشقيقاتهم سوى ربما مرة في الاسبوع أو حتى في الشهر. ففي وقت تتدهور فيه معظم القيم الانسانية والاخلاقية، في مقابل فساد وانحدار عالميين لم نشهد مثيلهما من قبل، ذهب انشغال الاهل الى أمور أبعدتهم عن المعنى الحقيقي للابوة والامومة، وهذا مؤسف وخطير، اذا ما استمر. ففي عصر سيطر فيه عالم الحاسوب وعالم المال والاعمال، مع ما يستتبع ذلك من السعي وراء الشهرة والطمع والثروة، بات الاهل منشغلين بكثير من الامور ما عدا ما يجب أن ينشغلا به، وهو تربية أولادهم التربية الصالحة المنتجة للاخلاق والعلم والمحبة والعطاء والاخوة.
فدور الاب، في المجتمع، في أي مكان وزمان، لا يقل مطلقا أهمية عن دور الام، في تربية أولادها، لأنهما، أي الاب والام، معا، بتربيتهما أولادهما التربية الحسنة، يعدان جيلاً بأكمله، وعبر اعداد الجيل يصنعان وطناً مثالياً لا يمكنه أن يخرق بالمؤامرات والحروب والفساد.
فشكراً لك يا أبي، ويا أمي، ويا خالي كذلك، لانني بكم أفتخر وبفضلكم صرت ( ويا ليتني أكون دوماً عند حسن ظنكم) محاميا لا أؤمن الا بالحق والصدق والعدل والايمان والمحبة. فأعايد كل أب يحترم ويؤمن بهذه القيم التي أشدّد شخصياً عليها كثير التشدد والتركيز، أعايد المرحوم والدي، الموجود دائما معي، خالي الصيدلي الدكتور ميلاد (أطال الله بعمره وبعمر عائلته) كما أعايد حبيب قلبي وصديقي ومثلي الاعلى حضرة النقيب السابق للمحامين الاستاذ جورج جريج (أطال الله بعمره وبعمر عائلته) لأن في هؤلاء الآباء الثلاثة، رأيت شخصياً مثلاً ومبادىء وقيماً من الصعب، ولكن من الاجمل والافضل والاروع تطبيقها، ألا وهي: التكاتف مع الآخرين، عند الشدة، التربية الصالحة، الصدق والمحبة. وبهذه المثل يبنى الانسان وتبنى الاجيال.
المحامي ملحم مارون كرم
النهار