“تدفّقت” المقطوعات الموسيقيّة التي “تأرجَحَت” ما بين شرقيّة وغربيّة، في مهرجانات زوق مكايل الدوليّة، مُنطَلِقة من روح الفنان المبدع جهاد عقل وكيانه لتستقرّ في “حَنايا” آلة الكمان التي “ترنّحت” بين يديه بدلال العاشِقة النبيلة بصخبها.
لما يُقارب الساعتين مارَسَ جهاد عقل “نَزواته” الإبداعيّة على الآلة التي أطلّت من على خَشَبة مهرجانات زوق مكايل الدوليّة، تارةً هادئة، ناعِمة، كشابة رقيقة لم تَكتَشف بعد “نوايا” الحياة وقُدرتها على سَحق الأحلام. وطوراً صاخبة، “محتالة”، تعرف أن “تُغازِل” و”تُهيّمِن” في الوقت عينه على العصا الموسيقيّة التي “تثنّت” بين يديّ عقل في شتى الاتجاهات. فإذا بها “تَنحَتُ” طريقها بثَبات وِسط “طريق” الأنغام الصعبة والتي تَتطلّب مجهوداً كبيراً للتمكّن من تَطويعها، مروراً بأعلى النوتات ووصولاً إلى أكثرها انخفاضاً. وخُيّل لعُشّاق عقل الذين إنتَشروا بالمئات على المُدرّج الروماني، أن هذه الآلة التي وَقَعَ عقل باكراً أسير “حُضورها” الذي يدعو إلى الهَذيان، كانت في بعض الّلحظات تصرخُ ألماً وكأنها تحوّلت بين يديه الساحرتين كائناً له ذُكرياته مُجَسّدة بتلك المواقف التي بَقيت عالقة في مكان ما بين الأوتار. وتحوّلت أيضاً في بعض لحظات آلة غيتار بين يديّ هذا الموسيقيّ الذي يَليق به اختراع كلمات عربيّة جديدة تُجسّد قدرته على جَعل آلة الكمان تنطقُ بكلمات تروي عشرات القصص التي ما زالت تنتظرُ كتابة سطرها الأخير ولا تمل من إعادة إحياء بداياتها من خلال الأنغام. هي البدايات التي لم تُقدّم سرّ سحرها لأحد تتحوّل مقطوعات شرقيّة وغربيّة، بمُرافقة فِرقة موسيقيّة قادها المايسترو أندره الحاج بفَرَح انعَكَسَ على حَركات الجَسَد وانفعالاته.
هي النهايات التي لم تُكتَب بعد وإن كان الزَمان قد مرّ على لحظاتها الأخيرة، مُلقياً عليها نظرة إزدراء تشي بخوفه منها. هو انخطاف جهاد عقل يُعبّر عنه من خلال التواء قَسمات وجهه في مقطعٍ أو آخر. هو عشقه لآلته يَظهر فجأة ما أن يُلقي برأسه عليها التماساً لبعض دفء. هو ذاك الجنون “الشهيّ” الذي يَعرفه كل من يَعيش شَغَفه يوميّات مُسيّجة برَنين الأحلام المُستحيلة. هي تلك القدرة على التَعبير عن أكثر الأحاسيس عُمقاً وأكثرها صَفاءً.
النهار