عيد آخر يطل على جيشنا الذي كان يلقب بـ”الصامت الأكبر”، قبل أن يصبح الصامد الأكبر، الحامل خطايا السياسيين وأخطاءهم، إلى جانب طهارة شهادته وشهدائه، منذ عشرات العهود والعقود.
عيد الجيش في الأول من آب هذا العام لا يختلف بالكثير عمّا سبقه، إلاّ بحقيقتين مثبتتين بالواقع وموقعتين بحبر الشهادة القاني:
الأولى ثبوت مسلّمة كون هذا الجيش، وحده، ومنفرداً، المدافع الأوحد عن الأرض والشعب بلا منّة ولا ثواب.
الثانية هي ربما للمرّة الأولى منذ ولادته ينال هذا الجيش اجماعاً لبنانياً شعبياً، جامعاً وشاملاً، على دوره ومهمّته في الدفاع عن الحدود وعن الأمن في الداخل، وخصوصاً في وجه الارهاب الوافد إلى لبنان وعليه من كل حدب عربي وصوب أعجمي.
هاتان الحقيقتان أنتجتا معجزتين، الأولى أنه رغم “الحروب” التي عصفت بطرابلس وجبل محسن وبعض الشمال، مع ما رافقها من عصف طائفي ومذهبي، وتقاصف سياسي بلغ حد توجيه بعض السياسيين الموتورين نداءات إلى العسكريين من طوائف معيّنة تحضّهم على ترك ثكناتهم والالتحاق ببعض التنظيمات المسلحة… كل ذلك لم يلقَ صدى وتكسّر عند أسوار الثكنات والمواقع العسكرية.
أما المعجزة الثانية فتجلّت في تفرّد جيشنا من دون جيوش أخرى، بقدرته على مواجهة التنظيمات الارهابية بتفوق في الجبهات البقاعية العرسالية بالسلاح والتكتيك والتقنية العالية من جهة، ونجاح مخابراته في القبض على خلايا نائمة وأخرى مستيقظة وثالثة متسلّلة تحت غطاءات وتغطيات مختلفة.
وأمّا أن يقال أنّ الجيش اللبناني استطاع تحمل “غلاظة” السياسيين وجورهم فلا جديد في ذلك، لأنّ ما تحمّله هذا الجيش من ذاك الإرث السياسي الفاسد منذ نشأته وحتى اليوم، هو الذي توّجه صامداً أكبر.
ولمن لا يعلم، أو لا يذكر، أو يتناسى أو يتعامى، إنّ هذا الجيش، جيشنا، هو إيّاه كان أول جيش عربي تصدّى ببطولة للجيش الاسرائيلي مطلع السبعينات في معارك بئر السلاسل وبيت ياحون في الجنوب، يوم كان جيش العدو ذو الذراع التي لا تقهر يرعب كل جيوش العرب مجتمعين.
وهو عينه من صمد ثمانية أشهر مع بداية الحرب الأهلية ولم يسقط، فيما هو يشاهد بمرارة أبناء عين الرمانة والشياح يقتتلون، كما السياسيين في العام 1975 يتذابحون طائفياً ومذهبياً.
أفلا يستحق هذا الجيش باقة محبّة وإعجاب في عيده؟
يوسف الأندري
النهار