ككل الناس ينشط الصحفيون في مواقع الشبكات الاجتماعية. يعبّرون عن آرائهم في الأحداث وفي قضايا الشأن العام الكبرى، يعارضون، يساندون، يعبرون عن إعجابهم بما يتصفّحون. يشتمون أحيانا، بما في ذلك زملاءهم والبعض منهم يروي وقائع حياته وينشر صورا عن عالمه الذاتي. هكذا تشكّلت فكرة هذا النص من الملاحظة العيّنية لسلوكات الصحفيين في مواقع الشبكات الاجتماعيّة. ونشأت عن هذه الملاحظة أسئلة عديدة: هل يحقّ للصحفيين أن يتصرفوا كما يشاؤون باسم حرية التواصل والرأي ؟ وهل تستوجب وظيفتهم الاجتماعية نمطا من السلوك المسؤول ؟
ما الميديا الاجتماعية ؟
تمثّل الميديا الاجتماعيّة (social media) مجالا من مجالات الميديا الجديدة new media وتشمل مواقع الشبكات الاجتماعية SNS social networks Sites على غرار مواقع الفايسبوك وتويتر واليوتيوب والإنستغرام. وتتّصل الميديا الاجتماعية بظهور ما يسمّى الإنترنت 2.0 عندما أصبح التفاعل النشاط الرئيس للمستخدمين الذين تحوّلوا من متصفحين للمواقع يتفاعلون مع مضامينها بشكل محدود إلى منتجين للمضامين (نصوص، صور، فيديوهات) يتبادلونها في مواقع مخصوصة ويعبّرون بواسطتها عن عوالمهم الذاتية والاجتماعية وعن آرائهم في مسائل تتعلق بالشأن العام. كما تطوّرت استخدامات الميديا الاجتماعية لتشمل مجالات متعددة كالسياسة (التسويق السياسي) والأعمال (التسويق التجاري) والميديا….
ويستخدم الصحفيون تطبيقات الميديا الاجتماعية لأغراض مهنية (جمع الأخبار والتوثيق ورصد الأحدث والتفاعل مع الجمهور…) أو بشكل مستقل عندما ينشؤون صفحات على شبكة الفايسبوك للتعبير عن آرائهم باعتبارهم صحافيين أو أفرادا. وفي هذا الإطار تطرح استخدامات مؤسّسات الميديا التقليدية بشكل عام والصحفيين بشكل خاص لتطبيقات الميديا الاجتماعية إشكاليات جديدة يتعلّق بعضها بفعالية الأخلاقيات المهنية التقليدية في البيئة الافتراضية الجديدة. فالأخلاقيات الصحفية، باعتبارها قواعد يصوغها الصحفيون أنفسهم ومؤسّسات الميديا ويلتزمون بها طواعية ودون إكراه قد تشكّلت في بيئة الإعلام التقليدي عندما كان الصحفي يمثّل الوسيط الأساسي والفاعل الرئيس الذي ينظّم الاتصال العمومي.
إن السؤال الذي سنحاول الإجابة عنه هو الآتي: هل يحقّ للصحفي أن يتصرّف كما يشاء في فضاء الميديا الجديدة ؟ كأن يكتب ما يريد دون ضابط أو قيد، وأن يعبّر عن آرائه بكل حرية وأن يستخدم ككل الناس مواقع الشبكات الاجتماعيّة ؟ إن الإجابة البديهية التي تتبادر إلى الذهن هي أن حرية الصحفي لا تستوجب قيودا تحدّ منها، خاصة في المجال الافتراضي، مجال حرية التعبير بامتياز ؟ لكن المتمعّن في التجارب العالمية يتبين بوضوح أن حرية الصحفي في الفضاء الافتراضي ليست مطلقة بل تخضع إلى عدد من المبادئ، مصدرها الأساسي مؤسّسات الميديا والصحفيين الذي يضعونها في إطار التنظيم الذاتي لمهنتهم.
1. ما الأخلاقيات الصحفية ؟
يمكن تعريف الأخلاقيات الصحفية باعتبارها المعايير والضوابط التي يلتزم بها الصحفي أثناء ممارسته لمهنته. وتتصل هذه المعايير بالكتابة وعرض الوقائع وبعلاقة الصحفي بالأطراف الأخرى (علاقة الصحفي بالمصادر وبالمؤسّسات…..).
تمثّل هذه المعايير التزاما جماعيا طوعيا. فالأخلاقيات يصوغها الصحفيون بأنفسهم (في إطار النقابات المهنية) أو تضعها مؤسّسات الميديا (المواثيق التحريرية على غرار مدونة البي بي سي BBC editorial Guidelines). وعلى هذا النحو تختلف الأخلاقيات عن القانون من حيث أنها من إبداع الجماعات المهنية ذاتها في إطار ما يسمّى التنظيم الذاتي. أمّا القوانين فيضعها البرلمان ويمكن أن تطبق على بعض الممارسات الصحفية عن طريق المحاكم والقضاء.
تتجسّد الأخلاقيات في مواثيق متنوّعة. ففي المستوى العالمي هناك ميثاق ميونيخ الذي أعتمد في 24 نوفمبر 1971 ويتضمّن عشرة واجبات وخمسة حقوق[1] تتعلّق باحترام الحقيقة (الوقائع) والمصادر والمحافظة على سرّيتها وبالتعامل مع المعلومات غير الموثقة والتمييز بين الصحافة والإعلان والعلاقات العامة. وينصّ ميثاق ميونخ كذلك على حقوق الصحفيين التي تتّصل بحماية الحقّ في النفاذ إلى المعلومات ورفض التبعية وبحقّ الهيئات التحريريّة في معرفة الخطّ التحريري. ويمكن الإشارة كذلك إلى الميثاق الأخلاقي للاتحاد العالمي للصحفيين IJF FIJ الذي يتضمّن تسعة مبادئ كاحترام حقّ الجمهور في الحقيقة واحترام مبدأ النزاهة والحرية في عملية جمع المعلومات ونشرها والتعليق عليها[2].
وهناك في مستوى ثان المواثيق الأخلاقية التي تضعها المنظمات المهنية للصحفيين.
وفي مستوى ثالث تتجسد الأخلاقيات في المواثيق الأخلاقية التي تضعها مؤسّسات الميديا. وتتضمن هذه المواثيق المبادئ الكبرى التي تقوم عليها السياسية التحريرية والضوابط الأخلاقية التي يلتزم بها الصحفيون العاملون بها، إذ يشير ميثاق صحيفة “الإمارات اليوم” على سبيل المثال إلى ضرورة احترام الدقة والخصوصية، كما يتضمن مبادئ تتعلق بالأطفال والصور والهدايا والضيافة والقيم الثقافية[3].
أما الميثاق التحريري لمؤسّسة البي بي سي فيؤكّد على القيم الكبرى التي يجب أن يلتزم بها الصحفي كالدقة، الحياد، الاستقلالية، المصلحة العامة، والمسؤولية تجاه الجمهور[4].
المسائلة، آلية أساسية لتفعيل الأخلاقيات الصحفية
تمثل المسائلة آلية أساسية لتفعيل الأخلاقيات الصحفية. وفي هذا الإطار أدرجت جمعية الصحفيين المهنيين الأمريكية المساءلة كبند أساسي من بنودها للتأكيد على دعوة الصحفيين للحوار مع الجمهور حول السلوكات الصحفيّة وتشجيعه على التعبير عن المظالم ضد وسائل الإعلام[5].
وتمثّل البي بي سي المثال الأحسن عالميا. فقد وضعت البي بي سي نظاما متكاملا يسمح للمشاهدين بتقديم شكاويهم بالهاتف والبريد الإلكتروني وبالبريد العادي. بل أنها وضعت ميثاقا ينظم هذه العملية وتلتزم فيه برصد وإشهار الشكاوى التي تتلقاها من المواطنين والتعلّم من هذه الشكاوى لتحسين برامجها وخدماتها. ووضعت البي بي سي موقع وب خاص بتلقي الشكاوى وتنشر تقريرا شهريا عنها[6].
كما أنشأت العديد من المؤسّسات الإعلامية والصحف في عدد كبير من دول العالم وظيفة الوسيط أو الموفق (Ombudsman) الذي يقوم بدور الوساطة بين الجمهور وهيئة التحرير ويعزز من انفتاح الصحفيين على المجتمع، إذ يتلقّى شكاوى الجمهور وملاحظاته ويطرحها على الصحفيين ويتابع ردود الصحفيين عليها ويدافع عن وجهة نظر القرّاء من داخل المؤسسة ويساهم في حلّ الإشكالات بين الصحفيين وهيئة التحرير والجمهور حتى لا تنتقل إلى القضاء.
ويمثّل “مجلس الصحافة” (press council) الشكل التنظيمي الأكثر أهمّية في عملية التنظيم الذاتي للمسائلة. وظهرت مجالس الصحافة في سياق البحث عن فعالية لتطبيق المواثيق الأخلاقية التي تفترض وجود هيئة قادرة على مراقبة تطبيقها ومسائلة المؤسّسات والصحفيين. كما يبرهن مجلس الصحافة على أن تدخل الدولة غير ضروري وأن الصحفيين مسؤولون وخاضعون تلقائيا وبأنفسهم ودونما إكراه إلى المساءلة[7]. ومجلس الصحافة هيئة جماعية مستقلّة عن السلطة السياسية تجمع الصحفيين والناشرين أساسا وممثلين عن الجمهور ومهمّتها اتخاذ القرارات الخاصة بمعالجة شكاوي المواطنين ضّد مؤسّسات الميديا أو المتّصلة بتجاوزات الصحفيين التي تندرج في إطار أخلاقيات المهنة. ويقوم المجلس في بعض الحالات بوضع معايير السلوك الأخلاقي للصحفيين واقتراح تعديلات لتطوير لمواثيق أخلاقية. وإضافة إلى معالجة الشكاوى يرصد المجلس كل الانتهاكات التي تقوم بها المؤسّسات الإعلامية والصحفيون للمبادئ الأخلاقية.
2. هل هناك أخلاقيات خاصة بالميديا الاجتماعية ؟
تبين التجارب العالمية المتقدّمة أن استخدام الصحفيين للميديا الاجتماعية وتطبيقاتها المتعددة يخضع بشكل عام إلى المواثيق الأخلاقية وآليات المساءلة المتصلة بها التي كنا بصدد استعراضها.
فالصحفي ليس حرا في المطلق في الفضاء الافتراضي يتصرف كما يشاء دونما قيد كما يعتقد الكثيرون وذلك لسببين أساسين اثنين : انتماء الصحفي إلى مؤسسة حريصة على صورتها ومكانتها في المجتمع ولدى الجمهور من جهة أولى والمسؤولية الاجتماعية للصحفي من جهة ثانية باعتباره فاعلا اجتماعيا يقوم بأدوار أساسية في المجتمع تقتضي منه أن يتصرف بطريقة مسؤولة.
وفي هذا الإطار قامت الفيدرالية المهنية لصحفيي مقاطعة الكيبيك في كندا بتطوير ميثاقها الأخلاقي بإدراج مبادئ خاصّة بالميديا الاجتماعية تؤّكد على الالتزام بالمعايير المهنية العامة التي تطبق على الوسائط الإعلامية الأخرى وعلى الطابع العامّ لما ينشره الصحفي على مواقع الشبكات الاجتماعية. وينصّ الميثاق أن الصحفي لا ينشر في هذه المواقع الاجتماعية ما لا يمكن له أن ينشره على صحيفته كما يجب عليه أن يلتزم بحماية مصادره على الشبكة والتأكّد من مصداقية الأخبار والامتناع عن السرقات الفكرية والإشارة في كل الأحوال إلى المصادر[8].
وفي بلجيكا نشر مجلس الصحافة استشارة حول استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية اعتبر فيها أن ما ينشره الصحفيون في هذه يكتسي طابع العمومية ويخضع إلى المبادئ الأخلاقية ذاتها التي يلتزم بها الصحفي في ممارسته المهنية مهما كانت الوسائط[9].
كما قامت العديد من مؤسّسات الميديا بوضع مواثيق لتنظيم استخدام الصحفيين لمواقع الشبكات الاجتماعية. وتؤكد هذه المواثيق بشكل عام على أن الأخلاقيات التقليدية التي يلتزم بها الصحفيون في الميديا التقليدية تبقى صالحة في مجال الميديا الاجتماعية.
2.1. نماذج عالمية لتنظيم الاستخدام المهني للميديا الاجتماعية
– الجمعية الأمريكية لناشري الأخبار (The American Society of News Editors)
أصدرت هذه الجمعية دليلا[10] اختزلت فيه القواعد التي وضعتها الصحف الأمريكية لتنظيم استخدام الصحفيين للميديا الاجتماعية. ويتضمن هذا الدليل عشر قواعد كبرى:
– المبادئ الأخلاقية التقليدية يجب أن تطبق في الفضاء الإلكتروني (القاعدة الأولى). فلا ينشر الصحفي ما لا يرتضي نشره في الصحيفة. كما لا ينشر على مواقع الشبكات الاجتماعية ما يسيء إليه شخصيا أو مهنيا أو ما يسيء إلى مؤسّسته. وعلى هذا النحو لا يوجد مبرر ألاّ تطبق القواعد التقليدية الأخلاقية على المجال الإلكتروني
– يجب على الصحفي أن يتحمّل مسؤولية كل ما يكتبه (القاعدة الثانية)، لأن كلّ ما يكتبه يصبح عموميا، حتى إذا كانت صفحة الصحفي خاصّة وشخصية وغير مرتبطة بالمؤسّسة وذلك بسبب صعوبة الفصل بين الفضاء الشخصي والفضاء العمومي.
– يتفاعل الصحفي مع القرّاء بطريقة مهنية (القاعدة الثالثة)، إذ يمكن للصحفي أن يطّلع عن الأحداث ويجمع المعلومات، لكن للانخراط في العالم الافتراضي حدود كأن يحجم الصحفي عن الاتصال العدائي flaming
– لا يجب نشر المعلومات الحصرية على الفايسبوك أو على التويتر بل على موقع الصحيفة (القاعدة الرابعة)
– ينتبه الصحفي إلى نظرة الآخرين إليه. (القاعدة الخامسة). على الصحفيين الإشارة إلى أن الوصلات التي يوصون بها لا تلزمهم. ومن المستحسن إخفاء قائمة الأصدقاء لأنهم يمكن أن يكونوا مصادر أخبار. كما أن انضمام الصحفيين إلى بعض الصفحات (عبر like ) لمتابعة الأخبار قد يؤدي في الوقت ذاته إلى التأثير على صورة الصحفي، ويوصى هنا بعدم الالتحاق بالمجموعات ذات الاتجاه الإيديولوجي الأحادي. كما على الصحفي التحكّم في خيارات الخصوصية بشكل لا يبدو فيه نصيرا لمجموعة معينة.
– يتأكّد الصحفي من أصالة وصحّة ما يقرأه على مواقع الشبكات الاجتماعية. (القاعدة السادسة)، ذلك أن كل ما ينشر ليس دائما صحيحا. فدور مؤسّسات الميديا والصحفيين هو التأكّد من المعلومات المنشورة ومن مصداقيتها. وعلى الصحفي أن يكون حارس بوابة جيّد a good gatekeeper يتأكد من أصالة المعلومات عبر تطبيق المبدأ التقليدي الذي يقوم على استخدام المصادر المزدوجة Double sourcing
– يقدم الصحفي نفسه دائما على أنه صحفي. (القاعدة السابعة)، إذ لا يمكن له أن يخفي هويته سواء كان ذلك في الفعاليات الصحفية التقليدية وعند ممارسة مهنته في الميدان أو على شبكة الإنترنت. وإذا طلب الصحفي معلومات بغاية نشرها فيجب عليه أن يفصح عن هويته المهنية.
– الميديا الاجتماعية أدوات وليست لعبة. (القاعدة الثامنة). فالصحفيون يمثلون مؤسّساتهم ولا يمكن لهم أن يتصرفوا بطريقة غير مقبولة على الشبكة
– يجب على الصحفي أن يكون شفافا ويعترف بأخطائه بسرعة. (القاعدة التاسعة). فالمبادئ ذاتها التي تستخدم في الممارسات التقليدية تبقى صالحة.
– يحافظ الصحفي على سرية الحياة الداخلية بالمؤسّسة (القاعدة العاشرة). فعليه الامتناع عن إفشاء الأسرار الخاصة بهيئة التحرير لأن مواقع الشبكات الاجتماعية يمكن أن تهدّد سلامة العملية التحريرية التي تقع وراء الأبواب المغلقة.
– وكالة الأنباء الفرنسية
أمّا وكالة الأنباء الفرنسية فإنها تشجع الصحفيين، في الدليل الخاص بالميديا الاجتماعية[11]، على استخدام الفايسبوك والتويتر وذلك لرصد الأحداث والبحث عن المعلومات وإثراء علاقاتهم وتعزيز التواصل مع المصادر والجمهور، إذ يمكن للصحفيين استخدام التويتر لنشر المعلومات الطريفة حول الفعاليات والأحداث (الأجواء العامة…). كما يمكن للتويتر أن يساعد الصحفي على الحصول على معلومات من مصادر جديدة.
لكنّ الوكالة تؤكد من جهة أخرى أن سلوك الصحفيين في مواقع الشبكات الاجتماعية يؤّثر بشكل مباشر على صورة الوكالة التي تبحث من خلال هذه الوسائط على تعزيز صورتها وتثمين حضورها في المنصات الجديدة. وهي تدعوهم إلى تكذيب المعلومات التي يتداولها المستخدمون والمتصلة بأخبار عالجتها الوكالة، لأن الصحفيين الحاضرين على الشبكات يروجون للمؤسّسة وصورتها ويحترمون استقلاليتها وحيادها.
هكذا يحتاج الصحفي الذي يريد أن يستخدم الشبكات الاجتماعية بشكل نشط، إضافة إلى مراقبة البيئة، ترخيصا في ذلك من الهيئة التحريرية التي تضع قائمة في كل الصفحات المهنية. وفي هذا الإطار فإن الصحفي ملتزم بالمعايير التي تضعها الوكالة لتنظيم استخدام الصحفيين لمواقع الشبكات الاجتماعية، أمّا في حالة عدم قبول هذه المعايير فعلى الصحفي أن لا يعلن عن انتماءه للوكالة وأن يقتصر على التفاعل مع أصدقائه.
ويحدد الدليل المتصل بمواقع الشبكات الاجتماعية بشكل دقيق استخدام صحفيي الوكالة بما في ذلك طريقة التسجيل. فعندما يستخدم صحفيو الوكالة الشبكات الاجتماعية في إطار مهني يجب أن يكشف الصحفي عن هويته المهنية وانتمائه للوكالة. ويشير الدليل إلى أن الصحفي الذي يستخدم الشبكات الاجتماعية بشكل شخصي لا يجب أن يشير إلى انتمائه إلى الوكالة وأن لا يتحدث باعتباره صحفيا فيها .
ووضع الدليل عددا من القواعد لضبط سلوك الصحفيين في مواقع الشبكات الاجتماعية كأن يمتنع الصحفي عن استخدام الكلام البذيء والسوقي لأن ذلك ينعكس على صورة المؤسّسة وأن يلتزم بالرصانة وعدم الرد بالعنف عن ردود فعل المستخدمين. كما يجب أن يفكر الصحفي قبل نشر أي مضمون أن ما يكتبه يكتسي صبغة العمومية وأن يلتزم الصحفي باتفاقية الاستخدام. أما في حالة ما إذا كانت الوكالة موضوعا للنقد فعلى الصحفي إعلام إدارة التحرير بذلك.
وفي مستوى معايير النشر فلا يمكن للصحفي، حسب الدليل، أن ينشر معلومات داخلية عن الوكالة من باب الولاء لها أو أن ينشر معلومات على الشبكة حصل عليها في إطار عمله لأن على الوكالة الاستفادة منها أولا. كما لا يمكن للصحفي أن ينشر المعلومات العاجلة على مواقع الشبكات الاجتماعية. وفي المقابل يمكن للصحفي إدراج وصلات نحو صفحة فيسبوك للوكالة أو اليوتيوب أو التويتر. كما لا يحق له نشر معلومات أو صور أو فيديوهات من منصات الشبكة. كما يمتنع الصحفي أن يتعرض بالنقد إلى وسائل الإعلام الأخرى المنافسة.
أما في الأحداث الخاصة والحصرية فلا يمكن للصحفي نشر معلوماته على التويتر إلا بعد ترخيص من الإدارة التحريرية. في المقابل فإن الصحفي يمكن أن ينشر معلومات ذات علاقة بالأبعاد الجانبية للأحداث. ويشير التقرير كذلك أن الصحفي يتحمّل المسؤولية القانونية لكل ما ينشره في صفحته.
البي بي سي أخبار
في عام 2011 أصدرت البي بي سي دليلا خاصا باستخدام مواقع الشبكات الاجتماعية في قسم الأخبار News: Social media guidance
وقد رصد هذا الدليل ثلاث حالات من الاستخدام حدد لكل منها شروطا ونصائح مخصوصة.
فإذ استخدم الصحفي مواقع الشبكات الاجتماعية في إطار شخصي للتفاعل مع أصدقائه (الحالة الأولى). فإن الدليل يطلب منه أن لا يشير إلى انتمائه إلى قسم البي بي سي أخبار. ورغم ذلك فإن سلوك الصحفي ينعكس بشكل أو بآخر على صورة المؤسّسة. وفي هذا الإطار الضيق يمكن للصحفي أن يشير إلى أنه يعمل بقسم الأخبار في البي بي سي ويتفاعل مع أصدقائه حول عمله على شرط أن لا يتضمن ملمحه أية إشارة إلى انتمائه إلى البي بي سي وأن يشير إلى أن آراءه لا تعبر عن سياسية البي بي سي.
وفي الحالة الثانية يندرج استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية في إطار النشاط الرسمي لقسم الأخبار كخدمة الأخبار العاجلة على سبيل المثال. وهنا على الصحفيين التأكد مما ينشر لتفادي الإساءة إلى مؤسسة البي بي سي أو للصحفي. كما أن استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية يجب أن يخضع لأهداف تحريرية جليّة وواضحة.
في الحالة الثالثة يمكن لمقدمي البرامج والصحفيين والمخبرين والناشرين أن يستخدموا مواقع الشبكات الاجتماعية في إطار مؤسّسي. وقد رصد قسم الأخبار هذه الحسابات في قائمة رسمية[12]. وفي هذه الحالة على الصحفيين أن يكتبوا في مسائل غير شخصية ذات علاقة بمجال اختصاصهم, كما عليهم إتباع الإجراءات التي ينصّ عليها دليل وضع لهذا الغرض[13].
رويترز
يقر دليل استخدام الميديا الاجتماعية لوكالة رويتز بأهميتها في العمل الصحفي فهي تمثل مصدرا من مصادر تجديد الممارسة الصحفية ووسيلة للحصول على معلومات أولية وتجديد طرق الإخبار. لكن الدليل يحذر الصحفيين في الوقت ذاته من مخاطر هذه الميديا.
ولا يهدف تنظيم الاستخدام حسب رويترز إلى تكميم أفواه الصحفيين بقدر ما يرمي إلى ضمان استخدام آمن. فالحديث في قضايا الشأن العام في هذه الفضاءات يؤثّر على مكانة الصحفيين وعلى سمعة المؤسّسة. ومن هذا المنطلق على الصحفيين الحديث باسمهم الشخصي وعليهم الالتزام بالميثاق الأخلاقي للمؤسسة[14] الذي يؤكد على قيم المسؤولية والتوازن وعدم الانحياز والإنصاف. ويفعّل الصحفي هذه القيم عندما يستخدم تطبيقات الميديا الاجتماعية.
3. نحو أخلاقيات جديدة مندمجة ؟
هكذا نرى أن مؤسّسات الميديا تعالج إشكاليات الاستخدامات المتعاظمة للميديا الاجتماعية عبر تطوير مواثيق مخصوصة أضحت تشكل بدورها جزء من نوع جديد من الأخلاقيات الخاصة بالميديا الجديدة يطلق عليها ما يعرف بأخلاقيات الميديا الرقمية digital medias Ethics وهي تشمل مجالات واسعة أو مخصوصة بحسب المضامين التي تعطى إليها.
يعطي مثلا الفيلسوف Charles ESS بعدا شاملا لأخلاقيات الميديا الرقمية[15] باعتبارها متّصلة بالمجال الافتراضي بشكل عام. وهي من منظوره مرتبطة بالأخلاقيات التواصلية وبالقيم الكبرى التي تفترضها. كما أن أخلاقيات الميديا التقليدية هنا لا ترتبط فقط بظهور الحاجة إلى تنظيم الاستخدامات المؤسّسية للميديا الاجتماعية بل بتطوّرات التكنولوجيا بشكل عام كما تؤكّد ذلك ما يسمّى “أخلاقيات الكمبيوتر computer ethics “[16]
أما في مفهومها الضيق فتشمل هذه الأخلاقيات الجديدة المشاكل والممارسات والمعايير ذات العلاقة بالميديا الإخبارية الرقمية digital news medias والتي تتّصل بالصحافة الإلكترونية والتدوين والتصوير الصحفي الرقمي وصحافة المواطن والميديا الاجتماعية. كما لهذه الأخلاقيات صلة وثيقة بالطرق التي يستخدمها المهنيون للبحث عن القصص الإخبارية ونشرها والتعاطي مع المضامين التي ينتجها المواطنون[17].
وفي هذا الإطار يرى ستيفين وارد Stephen ward أن الرهان الأساسي في هذا المجال الآن يتصل بابتكار ما يطلق عليه الأخلاقيات المندمجة integrated ethics في سياق أضحت فيه غرفة الأخبار مندمجة تتفاعل فيها المضامين الداخلية والخارجية التي ينتجها الصحفيون والمواطنون والمدونون والمتعاونون وأنواع متعددة من الصحافة سمعية ومكتوبة وسمعية بصرية ومطبوعة ومتعدّدة الوسائط. فالصحافة الجديدة، حسب وارد، متعددة المكونات layered journalism تمثل خليطا من أنواع مختلفة من الصحافات. إن هذه التحولات المتعددة التي طرأت على مهنة الصحافة تستدعي من الصحفيين التفكير من منظور أخلاقي في مهنتهم وفي هويتها (ما هي الصحافة ؟) وفي هويتهم (من هو الصحفي الآن).
تدعونا هذه الإشكاليات الجوهرية من جهة أولى إلى التساؤل عن إستراتيجيات مؤسسات الميديا العربية في هذا المجال التي تبدو غائبة، إذ لا أثر لمواثيق أخلاقية تنظم استخدام الصحفيين العرب للميديا الاجتماعية. كما تدعونا هذه الإشكاليات أيضا إلى التفكير في إدراك الصحفيين العرب لتأثيرات استخداماتهم للميديا الاجتماعية على مكانتهم الرمزية في المجتمع.
[2] http://www.ifj.org/en/pages/about-ifj
[3] http://www.emaratalyoum.com/editorial-policy-1.2034
[4]http://www.bbc.co.uk/editorialguidelines/
[5] http://www.spj.org/ethicscode.asp
[6] http://www.bbc.co.uk/complaints
[7] أنظر في هذا الإطار موقع منظمة مجالس الصحافة http://www.aipce.net/whatIsAPressCouncil.html
[8] http://www.fpjq.org/index.php?id=deontologiefr#reseaux
[9] http://www.deontologiejournalistique.be/index.php?la-deontologie-vaut-aussi-pour-les-reseaux-sociaux
[10] 10 Best Practices for Social Media Helpful guidelines for news organizations.
http://asne.org/Files/pdf/10_Best_Practices_for_Social_Media.pdf
[11] http://www.afp.com/communication/guide-reseaux-sociaux.pdf
[12] http://www.bbc.co.uk/news/help-12438390
[13] “News official tweeter guidance July 2011”. http://news.bbc.co.uk/2/shared/bsp/hi/pdfs/14_07_11_news_official_tweeter_guidance.pdf
[14] أنظر في هذا الإطار الموقع الخاص بالمواثيق التحريرية والأخلاقية لمؤسسة رويترز
http://handbook.reuters.com/index.php?title=Main_Page
[15] أنظر كتابه Digital Media Ethics الصادر عن دار نشر Polity عام 2013 (النسخة الثانية)
http://www.amazon.com/Digital-Media-Ethics-Charles-Ess/dp/0745641644
[16] http://en.wikipedia.org/wiki/Computer_ethics
[17] http://ethics.journalism.wisc.edu/resources/digital-media-ethics/
http://cybervues.blogspot.com/2013/10/blog-post.html
نقلا عن
الصحفيون وأخلاقياتهم في زمن الميديا الاجتماعية – الدكتور الصادق الحمامي