صدر حديثاً للزميل راجح الخوري كتاب “غصون الباكيات” لدى “الدار العربيّة للعلوم – ناشرون” ضمن ثلة عناوينه غير السياسيّة، ومن بينها “بوابات الماء” و”قناديل بحر الأحزان”. المؤلّف كناية عن مجموعة من النصوص التي تنشغل بعوامل الطبيعة وحركتها التي لا تهدأ أو تستأذن أحدهم، طبيعة لا تنفك تضبط حالاً إنسانيّة ينصرف الخوري إلى تأمّلها في تأنٍ وكأنه يسعى إلى قنصها.
ها هنا تارة نصٌ إستهلالي بإسم “الطوفان” حيث “نوح يُنشد إلى أبد: يصل الربيع بالصراخ يمضي الخريف بالنواح” وها هنا نصٌ سواه بهوية “المنارة المطفأة” يوفّر شهادة حسيّة على جيئة الناس وذهابهم، على حركة القادمين والراحلين، وحيث يتراءى الوقت متورطاً في هروب لا مفرّ منه. في هذا النص يبرز الإستفهام المحوري “متى تقفل بوابات الأرحام تغيب الأكفان ويتوقّف السيل؟”؟
أحياناً تؤدي العوامل الطبيعية عند الخوري دوراً سلبياً، ذلك ان المرء يرغب في تثبيت اللحظة المعيشة أكانت مغتبطة أو حزينة، في حين يعارضه الناموس الخارجي وهو يضمّ الجاذبيّة وسيلان النهر وسواها. تأبى الطبيعة أن تتورط في عملية مقايضة وتتمسك بمسارها السرمدي. ليس من المُباغت تالياً أن يشير الخوري إلى ان الناس “كمشة تراب في قبضة الجذور” وان يصل في تدرّج الوقفات النثريّة إلى نصّ بهوية “الزمن”.
في بعض الحالات يحيل المناخ النثري نحو الورع أيضاً ونحو تلك القدسيّة التي يلمحها الخوري في طلّة تقترض من مناخ الإبتهال بالأيقونات الشرقيّة فنقرأ “يا وجهاً يفيض بالزيت يعطينا الماء الخاشع، يعطينا الخدر، يشعل فينا الشعر ونبض القلب الملتاع”.
النهار