كلمة، كمحفار منقّب عن الآثار، ظلّت تهدس في ذهني قالها رئيس مركز الدراسات اللبنانية جورج عسيلي مرحّباً، في فيلا عودة بصدور كتاب “جبران خليل جبران، شواهد الناس والأمكنة” بالإنكليزية لمؤلّفه الشاعر والأديب هنري زغيب: “بقدر ما نقرأ عن جبران، بقدر ما ينتابنا شعور بأننا ما زلنا على مسافات بعيدة من اكتشاف كل جبران، وكامل كونيته”.
في طبعته بالإنكليزية الصادرة عن منشورات مركز الدراسات اللبنانية، كان لهذا الكتاب، الذي مذ قرأناه بالعربية بإصداره الأول عن دار ضرغام، صدى لم يحظ سواه من الكم الهائل المنشور حتى اليوم عن جبران في الشرق والغرب بمعلومات حيّة عن جبران جمعها هنري زغيب في تنقيبه الدؤوب عن جبران الأنسان، كما عرف المقرّبون منه.
“جبران خليل جبران، شواهد الناس والأمكنة،” مسار مختلف عما كتب من قبل وسيظل يُكتب ما دام الغموض لا يزال هالة حول عبقرية جبران وحياته. فهنري زغيب في رحلته السندبادية من بوسطن إلى نيويورك حرّك تفل الزمن ورفع الغموض عن النبي والرسام الرؤيوي والشاعر لنتعرّف إلى إبن بشرّي المهاجر مع أمه كاملة وأخيه بطرس وأختيه مريانة وسلطانة ووصولهم إلى مرفأ إلليس آيلند في نيويورك تحت إسم الأم كاملة رحمة.
بالكلمة والكاميرا جال هنري زغيب باحثاً عمن يدله من المغتربين المسنّين عن جبران فمن المرفأ النيويوركي لدى وصول العائلة عام 1895 وما تركته الغربة لديه من حنين إلى بشرّي ومار سركيس حيث مدفنه، وفق وصيّته، بدأ التنقيب عن كل أثر له من خلال من عايشوه وعاشروه. مضى الزمن وعاد جبران إلى بشرّي في النعش، وبقي هؤلاء الذين عثر عليهم زغيب في بوسطن ونيويورك يتذكرونه عرّاباً لأولادهم، إشبيناً في أعراسهم، رساماً في محترفه، ومع الوقت ما عادوا يتكلّمون عنه ما لم يتطفّل عليهم البعض ويسألهم عنه.
عاد السندباد من رحلته وفي جعبته لقية ثمينة حيّة، لا سيما عثوره لدى صديق على الطبعة العربية الأولى للنبي مترجمة من الأرشيمندريت أنطوني بشير. الرحلة طويلة، مكتنزة بالمكتشفات المثيرة، منها الحديقة العامة التي كان يستريح فيها والمستشفى الذي توفّي فيه، ومنه حصل على نسخة من وثيقة الوفاة.
الحنين يأخذه إلى مانهاتن على خطى جبران بين 1911 و1931. تتماهى أمامه صورة المرأة التي سندت جبران بمالها وعطفها، جبران الكاتب والرسام والشاعر، ماري هاسكل. عام 1923 تلقت بالبريد الإصدار الأول للنبي وكانت آنذاك في جورجيا. جوابها له أتى حرفيّاً في هذا الكتاب:
“هذا الكتاب سوف يكون كنزاً من الأدب الأنكليزي. وفي الظلمة التي نعيشها نفتحه لنكتشف ذواتنا، السماء والأرض في ذواتنا…”.
“جبران خليل جبران ، شواهد الناس والأمكنة”، لمناسبة صدوره بالإنكليزية وتبني مركز الدراسات اللبنانية نشره، أقيم احتفال ترحيبي بالكتاب في فيلا عودة، فكانت كلمة لرئيس المركز جورج عسيلي: “هذا الكتاب ولد بقلم شاعر لبناني مرموق هو هنري زغيب ليضيفه تحفة أدبية إلى كل المؤلّفات التي صدرت حتى اليوم عن جبران…”.
إلى كلمة مديرة مركز الدراسات اللبنانية الأستاذة الجامعية مهى شعيب وفيها نبذة عن رسالة المركز منذ تأسيسه، باحتوائه المؤتمرات التربوية والمدنية والوطنية “ويواصل فرعه في بيروت نشر الأعمال اللبنانية و”جبران خليل جبران، شواهد الناس والأمكنة” هو الأصدار الأول بعد رجوعنا إلى بيروت”.
وكانت نبذة عن الكتاب لهنري زغيب: “جبران كان هاجساً عندي منذ أول مطالعاتي له، من بلدته بشري بدأت متابعتي له، إلى سفري لبوسطن ونيويورك أبحث عن كل أثر له في الأماكن التي عاش فيها، إلى مجلّة السائح التي كتب فيها والمستشفى التي توفي فيها”. وفي الختام توقيع الكتاب ونخب صدوره.
النهار