أما جلسة الختام فافتتحت بكلمة د. جرجس صالح ممثلاً بابا الأقباط الأورثذكس الأنبا تواضروس الثانيفوصف بداية الإعلامي المثالي وحدده بصاحب الرسالة الخيرة وبالهدف النبيل الذي لا يهمه سوى الفائدة العامة والذي يتميّز بالصدق والدقة بعيدًا عن أي تحيّز فهو ملك للكل وينال تقدير الجميع ويكون محبوبًا من الكل. لا يغير الحقيقة ولا يورها ولا يؤولها. هو قائد مفكر ورجل خير وصلاح يرون فيه ضميرهم الحق الناطق وصوتهم العالي المسموع. في برامجه أو مقالاته لا يقدم ذاته بل العلم. هو إنسان بعيد النظر واسع الأفق.
ثم تناول الإعلام المسيحي تحديدًا فجعله وسيلة لا هدفًا محتواه له طابع ديني مسيحي يتضمن الرسالة المسيحية في صلبها أو رسالة الكتاب. يجب أن يخاطب الإنسان أي كان وهو يتسع ليشمل مطابقة فهم الإيمان لواقع الحياة والسلوك اليومي للفرد والمجتمع ومعالجة قضايا الفكر. هو يعاون على بناء شخصية الفرد وشخصية الجماعة وبناء المجتمع. يبث روح التفاهم والحوار البناء يرفض التعصب ويسعى لغرس المحبة والقيم الإنسانية.هدفه الإنسان وتحقيق بناء مجتمع ديمقراطي سليم.
ثم عدد ثلاث مشكلات تواجه الإعلام المسيحي: غياب الرؤية وغياب الحرية وغياب الإحتراف.
أما المطران يوحنا جهاد بطّاح النائب البطريركي لأبرشية بيروت للسريان الكاثوليك فشدد في كلمته على البحث عن الحقيقة؛ من هنا رأى دورًا نبويًا للإعلام محوره إعلان كلمة الله وقراءة علامات الأزمنة. وتوقف عند الأزمة الحالية التي تعيشها بلدان الشرق الأوسط والتي “توحدنا بالعمل المشترك والتنسيق فيما بيننا للخروج بحلول عملية تبرز وجه الله الرحوم. وإذ ذكّر بأن حضور المسيحيين في الشرق هو حضور المسيح فيه، رأى أن التفهم والانفتاح والسعي للوحدة بين البشر هو ما يجب أن نسعى له جميعًا. وأنهى مداخلته بتوصية المجمع الفاتيكاني الثاني لناحية إقامة مراكز وطنية للصحافة والسينما والراديو والتلفزيون بهدف تثقيف ضمير المؤمنين تثقيفًا صحيحًا في استخدام وسائل النشر الاجتماعي.
أما المونسنيور روفائيل طرابلسي، ممثّل البطريرك لويس روفائيل الأول ساكو للكلدان، توقّف في كلمته عند الإرهاب المستشري في الشرق ومسلسل الحروب وانعدام العدالة الاجتماعية وتعدد طرق الإستغلال وأشكاله وانواع التعدّي الذي يطال الكرامة والحياة البشريتين والخطاب الفئوي والعنصري. كلّها رأى فيها تحدّيات أمام الإعلام المسيحي. فشدد على أن إلهنا إله إعلان وإعلام وكشف وتبشير؛ هو إله الكلمة. من هنا الدور الأساسي الذي تلعبه وسائل التواصل بين البشر وأثره المباشر على الحياة السياسية والإجتماعية والمفاهيم الدينية. وشدد طرابلسي على ضرورة استخدام الإعلام لاسيّما المرئي على الوجه اللائق الحسن الذي يخدم الحقيقة والعدالة ومبدأ الحرية والمحبة. كما تطرّق إلى تطلعات البابا فرنسيس في وضع وسائل الإعلام في خدمة ثقافة التلاقي والإلفة والترابط منوّهًا برسالة تيلي لوميار ونورسات وفضائياتها.
ثم شرح ما تواجهه الكنيسة الكلدانية من عنصرية وتعصب ديني ومصالح مادية ضيقة ومن نزيف بشري ودعا الإعلام إلى دعم الوجود المسيحي المشرقي وتشجيع الحوار المسيحي الإسلامي المبني على الاحترام المتبادل.
وفي الختام أعلن المونسنيور كميل مبارك الشرعة الإعلامية قائلاً: لا شك في أن الإعلام، بجميع وسائله، من القوى الفاعلة التي تتوجّه إلى الأفراد والجماعات، ومن شأنها أن تغذّي مدارك الإنسان وتشبع توقَه إلى الحقيقة. كما باستطاعتها أن تذهب به إلى مناحي الشرور فتهدم قوّة الروح فيه، ما يؤدي إلى خراب المجتمعات وهلاكها. ومن هنا ضرورة وضع شرعة إعلامية تهدف إلى خير الإعلاميين وسلام المجتمع وسلامته.
1 – لكل إنسان حق بمعرفة الحقيقة، غير أن الحقيقة لا يجوز أن تُعطى لِمَن لم يتأهّل لاستقبالها، فليس كل علم ينفع إنما المحبة هي التي تبني.
2 – كل إعلامي يتحلّى بالعلم والخبرة والأخلاق يخدم المجتمع ويساعد على نموّ الإنسان عقليًا وروحيًا.
3 – إذا ما تزيّن الإعلام بجميع وسائله، بالروح الإنسانية يتجاوب مع آمال البشرية الخيّرة ومع مقاصد الله.
4 – من الضروري أن يعيَ الإعلاميون غاية الإعلام البنّاءة، والتي قد تصبح هدّامة للفرد والمجتمع إذا ما سخّر الإعلامي نفسه للسلطة والمال.
5 – إن حلية الصدق من مستلزمات الإعلامي في نُبلِ تعاطيه مع الإنسان كأخ له في الإنسانية وليس سلعة للإستهلاك.
6 – ليس الإعلام سبّاقًا إلى نشر أمر حصل بل هو تثبّت ممّا حصل ولماذا حصل وكيف حصل، وهل من الخير أن يعرف الناس عامّة ما قد حصل؟
7 – ليس الإعلام تضليلاً ولا ساحًا بيد الهدّامين أو الترهيبيّين ولا الترغيبيّين، بل هو رسالة سلام وبنيان حضارة المحبة.
8 – ليس الإعلام وسيلة لنشر الشر بجيمع وجوهه وأساليبه السلوكية والفكرية، المادية والروحية، العقائدية والإباحية، بل هو وسيلة لدرء الأخطار عن القلب والعقل والجسد، كما عن الأوطان والمجتمعات.
9 – يدرك الإعلاميون أنّهم الأكثر تأثيرًا على الرأي العام، وأنهم قادرون على توجيهه من دون إظهار القوة أو الردع، من هنا مسؤوليتهم في اختيار الأسلم والأفضل والأكثر خيرًا من الأهداف التي نحْوَها يوجّهون المجتمع.
10 – يعرف الإعلاميون أن مَن يتلقّاهم في المجتمع ليسوا من معدن واحد ولا عمرٍ واحد ولا دين واحد ولا ثقافة واحدة، وهذا لا يعني أنهم وحدهم مسؤولون عن النتائج السلبية للإعلام، ولكنهم الأكثر فعلاً والمجتمع أكثر تفاعلاً معهم.
11 – إن كل قوة على الأرض تحاول أن تسخّر الإعلام لنشر مبادئها وتطبّق إرادتها، ولكنها في الوقت عينه تستقوي بالإعلام إذا ما تسخّر لها، من هنا ضرورة وَعي الإعلامي لحقيقة وهي: لا يستطيع الشر أن يستفحل إلا إذا سكت أهل الخير.
12 – أما الحرية فلا تُقاس بخيارات طالبها ولا بأحقيتها، بل بارتباطها بالحقيقة والعدالة والخير العام، وإلا انقلبت إلى فوضى وشكّلت خطرًا على طالبها وعلى الآخرين.
13 – كرامة الناس واحترام سرّيتهم وخصوصيتهم واجبٌ مقدّس، من هنا ضرورة التوقّف والتأمل قبل إقدام الإعلامي على المتاجرة بالفضائح واعتبار نشرها سبقًا صحفيًا، وليَعُدْ إلى القول، مَنْ منكم بلا خطيئة فليرجُم الزانية بحجر.
14 – مراعاة الذوق الإنساني ضرورة وواجب، لذا لا يجوز استسهال نشر الصور والمشاهد المُخيفة من الجرائم أو المبتذلة أو تلك التي لا تراعي الذوق الحسّاس، واستبدال الصورة بالكلام المُلطّف.
واختتم المؤتمر بتوصيات أعلنها السيّد جاك كلاسي الذي قال: مع وجود إعلام قاتل سطحي يغذي التطرف ويبعد الإنسان عن الله ومحبته وطريقه ويباعد الإنسان عن أخيه الإنسان، تأتي رسالة الإعلام المسيحي لتغيير هذا الواقع فتبني ما دمرته الحروب وترسخ الوجود المسيحي؛ إن هدفنا بقاء كلمتنا حرّة.
في ختام هذا المؤتمر الذي جمعنا وأمام التساؤلات العديدة التي طرحت ومنها: هل الإعلام المسيحي في خطر؟ أي تحديات مهنية واقتصادية وكيفية الوصول إلى رؤية موحدة؟ جوابنا بإنشاء اتحاد إعلامي مسيحي في الشرق.
الأهداف من تأسيس اتحاد للإعلام المسيحي في الشرق: تعزيز التعاون عبر تقارير ومبادرات إنتاج مشتركة، وتبادل الأخبار ذات الطابع الوجودي، وتوحيد الخطاب الإعلامي في المواقف المسيحية الحساسة وتلخيص التكلفة الإنتاجية والإعلامية.
هو اتحاد للدفاع عن حقوق مؤسساتنا الإعلامية وحقوق الإعلاميين في المحافل المحلية والإقليمية والدولية.
هو اتحاد للتأثير في السياسات العامة الصادرة بما يتلاءم والمصالح المسيحية.
هو اتحاد سيعمل على إنشاء فضائية خاصة وموقع متخصص ملكًا له.
أما وسائلنا لتحقيق هذه الأهداف فتكمن في تأمين مركز دائم وهو متوفر، وتشكيل لجان دائمة ينطلق عملها فور اختتام هذا المؤتمر تعمل على وضع النظام التأسيسي.
إن نواة اللجنة التأسيسية ستعلن قريبًا.
أما شروط العضوية أن تكون ثمة مؤسسة إعلامية تزاول عملها وتكون مسيحية الانتماء والتوجه ولا تتعارض مع أهداف الاتحاد وأن تلتزم بشرعة الإعلام أي بالمعايير العامة كاللياقة والآداب في مضمون برامجها مع الحرص على احترام الآخر والمشاعر الدينية وأن تمتنع عن بث أي تهديد أو تحريض على العنف والكراهية.
إن إعلامنا المسيحي يقوم على قيم المسيح ومبادئه.
إتحادنا لا يهدف إلى إطلاق إعلام عقائدي لاهوتي فلسفي ولا يهدف إلى تحويل المسلم إلى المسيحية إتحادنا يهدف إلى عيش الإنجيل وروح المحبة.
طريقنا ليست طريقًا سهلة، طريقنا صعبة.
علينا أن نستعد لآلام الطريق، لكل عنف وألم وإهانة، ليدرك الآخر أنّ عنف المحبة أقوى من محبة العنف.
نورسات