نعم، بعد خمس سنوات على الأحداث في سورية، وسنة على التدخّل العسكريّ الروسيّ، نتذكّر قول كاتب النبيّ داود كاتب المزامير: “قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء جميعًا على الربّ وعلى مسيحه” (المزمور الثاني، الآية 2).
لا ريب في أنّ كثيرًا من سادة الأمم قد شاركوا ويشاركون في المذبحة الجارية بحقّ الشعب السوريّ. منهم مَن صرف أموالاً طائلة لشراء المرتزقة من أربعة أطراف الدنيا، ومنهم مَن استثار الحماس الدينيّ والمذهبيّ لإطلاق الفتنة من عنانها، ومنهم مَن أرسل شحنات السلاح إلى مَن ينفّذ طلباتهم، ومنهم مَن أتى بنفسه بالطائرات والأسلحة الفتاكة… لكن، أيضًا، ثمّة مَن يشارك بالمذبحة عبر صمته وعدم تحريكه ساكنًا.
السوريّون، اليوم، هم مسيح الربّ. هم المصلوبون، المذبوحون، المطعونون. هم، وحدهم، ضحايا ملوك الأرض ورؤسائها، من دون استثناء أحد. هم ضحايا الإرهاب “الدينيّ” و”العلمانيّ” على السواء، ضحايا الإرهاب الأمميّ والإقليميّ والمحلّيّ. وأيّ تمييز بين ضحيّة وضحيّة وفق القاتل هو تمييز شيطانيّ لا يمتّ بصلة إلى الإنسانيّة.
السوريّون، وحدهم، يدفعون ثمن اللعبة الجهنّميّة الجارية على أرض وطنهم. ما شأن أميركا وروسيا والسعوديّة وإيران وقطر وتركيا وإسرائيل وسواها بسوريا والسوريّين؟ ما شأن المجاهدين الآتين من دول العالم كلّها للجهاد في سوريا؟ شأن السوريّين أمام هؤلاء كحال كاتب المزامير حين قال: “عجول كثيرة أحاطت بي. ثيران سمان تألّبت عليّ. فتحوا عليّ أفواههم مثل الأسود الشرهة المزمجرة (…) أمّا أنت يا ربّ نجّ من السيف نفسي. ومن يد الكلب حياتي. خلّصني من فم الاسد. أنقذ من وحيد القرن مسكنتي” (المزمور 21، 12 – 21).
كان لا بدّ للمؤسّسة اليهوديّة من التحالف مع الإمبراطوريّة الرومانيّة المحتلّة فلسطين، آنذاك، كي تستطيع تنفيذ حكمها على المسيح بالصلب. ملوك الأرض وعظماؤها ما كان بإمكانهم تحويل سوريا إلى ساحة لحروبهم لولا تواطؤ بعض السوريّين، حكامًا ومحكومين، وقبولهم بأن يكونوا مجرّد بيادق تحرّكها أنامل هؤلاء العظماء. ما كان بإمكان أحد أن يصلب السوريّين لو لم يتحوّل راعي الغنم إلى ذئب مفترس.
بعد سنة من التدخّل الروسيّ في سوريا بذريعة “محاربة الإرهاب” والقضاء عليه، ما زلنا نحيا في بيئة إرهابيّة متعدّدة المشارب والينابيع. وهنا نستذكر كلامًا قلناه منذ فترة في مقالة عنوانها “الجحيم السوريّة”: “هذه الجحيم ما كنّا بلغنا إليها لو لم نقبل الفظائع التي ارتُكبت على مرّ سنوات. ما يجري اليوم هو حصيلة سنوات من صمتنا عن ارتكابات الأنظمة الديكتاتوريّة والأحزاب الشموليّة من “علمانيّة” أو “دينيّة” أو “طائفيّة”، وحصيلة سنوات من غضّ النظر عن حروب تُشنّ باسم الله أو باسم الشريعة أو باسم الدفاع عن هذه الأقلّيّة أو تلك. كلّنا شركاء في تغذية هذه الجحيم المستعرة”.
السوريّون مدعوّون إلى التمسّك بالرجاء. فاليأس موت أشدّ مرارة من الموت الجسديّ. لا يغيظ المعتدي أمرٌ أكثر من أن يرى المعتدى عليه شجاعًا، متعلّقًا بمبادئه، متمسّكًا بالرجاء، غير مذلول. ليس ما يغيظه أكثر من يراه مصلوبًا وقائمًا في الآن عينه.
المسيح على الصليب أغاظ صالبيه بثباته على مبادئه، وبالصلاة من أجلهم. القيامة آتية لا ريب فيها في زمننا الحاضر “هنا والآن”. رجاؤنا بالسوريّين وبمحبّتهم بعضهم بعضًا عظيم. هذه المحبّة المنشودة هي باب الخلاص من الثيران الهائجة.
الأب جورج مسّوح
ليبانون فايلز