هذا المساء، وكما في الماضي البعيد حيث كانت الحوادث الثقافية تستقطب مجموعة كبيرة من الأنتلجنسيا المثقفة الى حيث تقام احتفالات، ليست لعرض الأجساد والمفاتن والتجمعات الالترا سنوب، بل للوقوف باحترام أمام الكتاب الذي صلب خلال الحرب اللبنانية 1975-1990، وتمزقت صفحاته وتساقطت اوراقه، ونالت المجموعات الثمينة من وثائق ومجلدات وآثارات نادرة القدر الذي لا ينسى من التخريب، فلا تمحوها استلحاقات علمية وترميم حتى لو بلغت درجات التضحية بالكثير من المحاولات التي يمكن ان تخلصها من التلف النهائي.
هذا المساء يطل على اللبنانيين بعض ما استطاعت عملية الترميم انجازه، وما تحتاجه طبعاً لإعداد المكان بكامله ولإنهاء الترميم، وغيره من الأشياء التي بقيت على حالها، لأن الأموال المخصصة للعملية يحتاج الى مساعدة والى تزخيم سيساهم في مساعدته الحدث الذي نجتمع من أجله اليوم، ألا وهو افتتاح المعرض الفني، وهو النشاط الأول الذي تقيمه في المكتبة الوطنية، المؤسسة اللبنانية للمكتبة، والذي انطلق من دعوة تمثلت بالطلب من الفنانين اللبنانيين القيام بعملية تجميل لمؤلف طبع سابقاً، وتضمن اخطاءً. وبدل اتلافه قام 55 فناناً باستعماله كمنطلق لتحفة فنية سيتم بيعها واستعمال ثمنها او جزءاً منه لإكمال الاعمال المتبقية في الترميم، وتحضير القاعات التي سيتم فتحها أمام الجمهور من دون اي مقابل.
وقامت رئيسة المؤسسة رنده الداعوق بالإتصالات الضرورية من اجل إعادة جوهرة لبنان الثقافية الى ما كانت عليه، ودعمتها نادين بكداش صاحبة غاليري جانين ربيز بمحاولات حثيثة للمساعدة عبر الفن أخذت كل فترة الصيف الماضي. ولبى الفنانون الدعوة واستجاب الافضل منهم للدعوة، وهذا ما سنراه اليوم في الطابق الأرضي من الصنايع، حيث أتذكر انه كان في الماضي مدرسة للنحت وصب التماثيل وتعليم المهنة من اساتذة متخصصين.
اليوم اذاً الافتتاح الرسمي للمعرض. اليوم من يشتري قطعة معروضة يساهم في إعادة الكتاب الى اصحابه. بعض الفنانين يساهمون بنسبة معينة في عملية التبرع المخصصة للمؤسسة وبعضهم يقدم العمل كله .
الاعمال معروضة بشكل لائق ولافت. أخجل أن أقول ما سأقوله، ولكنه الحقيقة. لا نشعر بأننا في بيروت. كل شيء نظيف، يلمع، لا غبار ولا أوساخ ولا أعقاب سجائر. نحن في حضرة الخيارات المحترمة والنظيفة واللائقة والبعيدة من كل الاشياء التي تخجل وتسيء الى المكان والحاضرين.
اما الأعمال فهي لافتة. منها التجهير ومنها الكتابة مباشرة على الكتاب، وبعضها أشكال ممزقة لصفحات وهرطقات مبتكرة، جعلت من المادة أداة ذكية تساهم في الإضاءة على الوضع الذي كان فيه، وكيف تطور واصبح مادة فنية بارزة.
لقد نجح المهندس الفنان كريم بكداش في سينوغرافيا مميزة، حيث اختار في وسط الصالة الفسيحة بعض الأعمال المنوعة، مستخدماً اللونين الاصفر والبني، وكأننا بين أوراق صفحات من الإنجيل الذي سيقرأ علينا. وهنا ينتابنا شعور بأننا ندخل الى مكان مقدس تطاله الرهبة ويفرض الصمت وربما الوقوف الطويل.
لقد جاءت الاعمال في مكان كأنه خصص لها قبل أن تولد. وهذا أيضاً إضافة نفسية واحترام للمكان، ونوع من التكامل مع جو المكتبة التي هي اليوم هيكل الصمت في أيام الضجيج المتعب وربما المعيب.
نصمت نعم. ونمشي بين المعروضات. 55 فنانا ها هنا، أنجزوا الكثير من العمل اللافت. أذكر منهم، أسامة بعلبكي، إيلي أبو رجيلي، منصور الهبر، ميراي حنين، فيصل سلطان، أمل سعادة، محمد الرواس وغريتا نوفل.
يذكر ان المعرض سيستمر لمدة شهر، ونأمل في أن تباع كل الأعمال، علها تساهم في مساعدة المؤسسة التي تحتاج الى تشجيع، لا سيما وأنها ستحافظ على ذاكرتنا المكتوبة وللأجيال الصاعدة ان تستكمل المهمة من اجل أبناء لبنان.
لور غريّب
النهار