بعلبك مدينة الشمس، عادت من طهران ظافرة بجائزة غولدن أدوب، تقديراً لمشروع الأخوين البعلبكيين، مازن وماهر الرفاعي، “تأهيل المدن”، وذلك بعد مشاركتهما في الدورة الثالثة ليوم المدن العالمي في طهران، هذا الحدث الشامل مختلف المواضيع الخاصة بصيانة المدن في العالم وتأهيلها على صعيد البيئة وفي البنى التحتيّة، وللحفاظ على تراثها.
ماذا تعني جائزة غولدن أدوب لمازن وماهر الرفاعي: “هي قيمة معنويّة تؤكّد إنفتاح بعلبك على العالم”.
الورشة عامرة في بعلبك بهمّة البنك الدولي ومجلس الأنماء والإعمار، ورئيس بلدية بعلبك الحالي حسين اللقيس، وماهر الرفاعي المخطّط المدني ومازن الرفاعي المهندس الفني، لاستكمال ما تحقّق حتى الآن من أعمال ترميم لإنعاش المدينة القديمة. والقادم إلى بعلبك في موسم المهرجانات يلاحظ التغيّرات التي باتت ترسم وجهاً سياحيّاً جديداً للمدينة، من دون أن يدرك أبعادها المتمدّدة في التاريخ القديم. مازن الرفاعي إبن المدينة وعاشقها حدثنا عن مشروع زمني يردم الهوّة بين تاريخ المكان ومتطلّبات الإنسان، فقال: “الدراسات ماضية على قدم وساق، وغايتها الأولى المصالحة مع الذاكرة وكسر الحاجز بين المدينة الأثرية ومدينة الإنسان، في تفاعل حقيقي”.
-أما توارت الذاكرة مع امتداد القرون، بين البعلبكيين والمدينة الأثرية التي رغم الخلود المشع من معابدها، لا تطعمهم خبزهم اليومي؟
“المشاريع ترمي إلى إيجاد دينامية بين المدينتين تجعلهما تتفاعلان على أساس تقديم تطوّر أساسي ومحسوس، فلا تعود بعلبك البشر بعيدة من بعلبك الآلهة”.
– ماذا تحقّق حتى الآن؟
“ثلاثة مشاريع، أوّلها السوق العائدة إلى نهاية القرن التاسع عشر، بأبنيتها التراثية التي تفرض واجب المحافظة عليها. ويأتي مشروع طهران “تأهيل المدن” نتيجة طبيعيّة للخطّة الإستراتيجيّة التي نقوم بها لتحرير المدينة القديمة، وترميم السوق التراثية القديمة وتحويله إلى ساحة اقتصادية محاذية للقلعة ضمن مشروع الإرث الثقافي.
– هل من شعور بأن المدينة القديمة، بما فيها الزمان والمكان، هي من أوحى إليكم خطّة العمل هذه؟
“بالتأكيد. ألفا سنة من التاريخ مادة حيّة تتفاعل في البنى التحتيّة كما في المنظور. فالأشغال التنقيبيّة لا تزال تفرز من باطن الأرض مفاجآت، فقد عثرت في رأس العين أي في أعالي بعلبك على معبد “نبتون” المتصل على طول طريق رومانية بساحة المدينة وأحيائها. هي ورشة مثيرة تؤكّد بأن باطن الأرض حمى من الزلازل مدينة بعلبكية أثريّة، قهرت الزمن، إلى أن اكتشفها أركيولوجي وأخرجها إلى النور”.
– بين بعلبك المسكونة بأهلها وبعلبك التاريخ، كيف خطّطتم للعمل؟
“البنك الدولي مع مجلس الإنماء والإعمار قدّما مشروع تأهيل مداخل القلعة، بدءاً من بيت ناصيف بوجه، ليكون المدخل الرئيسي لمسار التنقيبات الأركيولوجيّة وتسهيل مجال أوسع لدخول السيّاح إلى القلعة. وفي خطوة ثانية ترميم السوق التجارية المحاذية للقلعة وتأهيل المركز السياحي. هكذا نكون أمّنا مصالحة مع الذاكرة والتاريخ”.
– كيف سيكون المشهد العام للآتي في موسم المهرجانات إلى بعلبك؟
“من ساحة خليل مطران ينكشف منظر واسع على المنطقة الأثريّة. حتى الأمس كان معبد عشتروت منفصلاً بطريق فرعيّة عن القلعة، إلى أن وجد في مشروع تأهيل المدن، مكانه ضمن القلعة، وهو في صدد ترميم حجارة هيكله المتراكمة من حوله”.
– هل في هذه التصاميم التأهيلية تصادم بين الإنسان البعلبكي ورؤية جديدة لمدينة لم يتكيّف بها بعد؟
“بل سيجد تلاحماً محسوساً بينه وبين القلعة، مدينته الأولى التي تعلّم فيها التاريخ واعتزّ بخلودها. المشاريع التأهيلية هي أوّلاً لإنماء الحياة في بعلبك، كترميم بيوت الطين وتحويلها إستراحات للسيّاح. وقد بدأنا بتحقيق هذا المشروع الذي يفوح منه التاريخ القديم بأدوات حديثة. كما قمت بترميم البرج العربي في التسعينات من القرن الماضي، وهو جزء من السور الذي حافظ على معبد باخوس. وليد جنبلاط كان صاحب الفكرة، فصار البرج جزءاً من المتحف”.
– يبدو أن بعلبك ستظل ورشة أركيولوجية مهما خطّطتم لمشهد نهائي فيها؟
” المدن الأثرية مرتبطة بالزمن، متعهّدة له بألاّ تفنى. وعلى خط مواز لورشة التنقيبات في باطن الأرض، نعمل على سطحه لتحسين الحياة وإنمائها. كالبوّابات الخمس التي ستحرّر المدينة وتسهّل العبور إلى وسطها: باب أمجد، باب الشام، باب راس العين، باب نحله، وباب مغني. وفي مقابل البوابات المشرّعة للدخول إلى قلب المدينة، هناك السورالعربي والروماني، الحامي بحدوده المدينة القديمة”.
– هل بعلبك حلم أم حقيقة؟
“إنها حلم بديع نعمل على تحقيقه، كنزاً غالياً لأبنائنا”.
مي منسى
النهار