عقد بين 7 و18 تشرين الثاني في مدينة مراكش المؤتمر الثاني والعشرون لتغير المناخ، والأول بعد الاتفاق التاريخي في العام الماضي في باريس. شارك في المؤتمر الذي ترعاه الأمم المتحدة 192 دولة بما فيها لبنان، بينما خيمت على أجواء المفاوضات الانتخابات الأميركية والخوف من تهديدات الرئيس المنتخب بإلغاء انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس، علماً أن الولايات المتحدة هي أكبر مسبب للانبعاثات عبر التاريخ. نعرض في هذه المقالة نبذة عن اتفاقية باريس، ونتائج مؤتمر مراكش، ومكان لبنان من هذه التطورات.
اتفاق باريس التاريخي
لقد جاء الاتفاق الدولي بشأن الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الذي تم التوصل إليه في باريس العام الماضي نتيجة الجهود والمفاوضات الحثيثة التي بذلها المجتمع الدولي لأكثر من عقدين. ويهدف هذا الاتفاق إلى الحد من الارتفاع المتوقع لدرجة حرارة الأرض وحصره بدرجتين مئويتين بحلول العام 2100. أما الآن وقد ثَبُت علمياً أن أنشطة الإنسان تؤثر على كوكبنا، فقد أصبح كل من وجودنا والنظام الإيكولوجي الذي يدعم حياتنا مهددا إذا لم نحرّك ساكنا، وقد يؤدي ذلك الى فيضانات وأمراض ونقص في الغذاء والمياه، بالاضافة الى اختفاء دول. ومن المفترض أن يشكل «اتفاق باريس» بداية نهاية عصر الهيدروكربونات (النفط والغاز) والانتقال إلى الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى حصول البلدان النامية، خاصة الضعيفة منها، على التمويل والدعم التكنولوجي من قبل البلدان المتقدمة.
فقد تم الإجماع، على مر السنين، على أن الدول المتقدمة هي وراء الارتفاع غير الطبيعي في درجة حرارة الأرض نتيجة الأنشطة الصناعية. ونتيجة لذلك، سوف تلتزم الدول المتقدمة، بشكل جماعي، بتقديم تمويل سنوي قيمته 100 مليار دولار أميركي اعتبارا من العام 2020، على أن يتم توزيعه على صعيدين: 1ـ التكيّف: أي مساعدة البلدان النامية والضعيفة على التكيّف مع تغير المناخ الذي يؤثر على سبل المعيشة فيها، مثل المياه والأمن الغذائي. 2 ـ الحد من الانبعاثات: أي مساعدة البلدان النامية على الحد من انبعاثاتها في المستقبل لتحقيق أهدافها الوطنية المتعلقة بالانبعاثات والتي عليها الالتزام بها كجزء من الاتفاق.
مؤتمر مراكش
لقد استضاف ملك المغرب مؤتمر هذا العام بشأن تغير المناخ في مراكش، وهو أهم حدث للأمم المتحدة في هذا المجال. وقد شهد هذا المؤتمر أول خطوة من عملية الاستعداد لتنفيذ شروط اتفاق باريس الذي سيدخل حيز التطبيق في العام 2020. وقبل المؤتمر بفترة قصيرة، تم تجاوز الحد الأدنى المطلوب لدخول الاتفاق حيز التنفيذ؛ فقد صدقت عليه 113 دولة من أصل 197 حتى الآن، من بينها أكبر مسببين لانبعاثات الغازات الدفيئة: الولايات المتحدة والصين.
وقد عكّرت نتيجة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة أجواء المؤتمر وتساءل جميع المندوبين والمفاوضين عن تأثير نجاح ترامب على مسألة تغير المناخ، إذ إن كلاً من المجتمع الدولي ونصف سكان الولايات المتحدة على الأقل، يخشى أن يلتزم ترامب بتصريحاته الانتخابية ويتراجع عن اتفاق باريس. وأعرب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بوضوح عن قلقه في كلمة افتتاح مؤتمر مراكش، مذكرا الإدارة الأميركية المقبلة بأنه لا يمكن التراجع عن الاتفاق وبأن «المواطنين الأميركيين يدركون أنه إذا ارتفع مستوى المحيطات واستمرت الكوارث الطبيعية ولم تتوقف الهجرة واندلعت الأزمات، فسوف تكون أميركا أوّل المعنيين بذلك». كما أكد وزير الخارجية الأميركية جون كيري التزام الولايات المتحدة باتفاق باريس وهاجم ترامب قائلا: «لا يحق لأحد اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياة المليارات من الأشخاص بسبب إيديولوجية معيّنة أو من دون التمتع بمعلومات وافية». فضلا عن ذلك، وفي بيان لها في نهاية المؤتمر، أكدت أمانة المؤتمر أنه لا يمكن العودة عن زخم تنفيذ تدابير مكافحة تغير المناخ. وفي حال انسحب ترامب من اتفاق باريس، الأمر الذي سيرضي شركات النفط والفحم، فسيكبح ذلك جماح التقدم المحرز.
غير أن الخبر السار هو أن هذا يستدعي 4 سنوات، ويكون الوقت قد حان لإجراء انتخابات رئاسية جديدة على أمل ألا يفوز ترامب بفترة رئاسية ثانية. إن مدة 4 سنوات هي فترة طويلة بعض الشيء، وقد يحدث خلالها العديد من الأمور. فقد أقرّ الرئيس المنتخب دونالد ترامب يوم الثلاثاء (22 تشرين الثاني 2016) أن هناك «رابطا ما» بين النشاط البشري وتغير المناخ، وأعرب عن تردده إزاء سحب الولايات المتحدة من الاتفاقات الدولية الآيلة إلى مكافحة هذه الظاهرة التي يجمع أغلبية العلماء أنها ناجمة عن أنشطة الإنسان. قد تعكس هذه التصريحات بعض الليونة في موقف ترامب حول دور الولايات المتحدة في الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ، برغم أنه لم يلتزم بعد بأي إجراءات محددة في أي اتجاه.
فضلا عن ذلك، تتضمن أميركا العديد من الولايات التي تعمل على خفض انبعاثاتها أكثر من متطلبات الاتفاق ويمكنها أن تتصرف، بموجب النظام الفدرالي، بشكل مستقل عن واشنطن. فعلى سبيل المثال، تتمتع كاليفورنيا بأكبر اقتصاد في الولايات المتحدة ويبلغ حجمه حجم الاقتصاد الفرنسي وضعف الاقتصاد الروسي، وتسعى هذه الولاية إلى الحد من مستوى انبعاثاتها ليبلغ بحلول العام 2020 المستوى الذي كان سائدا في العام 1990من خلال استخدام الطاقة النظيفة.
وبشكل عام، كانت النتيجة الرئيسية لمؤتمر هذا العام اتفاق البُلْدان على وضع اللمسات الأخيرة على قواعد اتفاقية باريس بحلول العام 2018 ومتابعة ودعم البلدان كي تبقى على الطريق الصحيح للارتقاء بخططها الوطنية المناخية في العام 2020، وهذا جزء أساسي من عملية تحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية باريس.
كما أطلقت الدول عملية لتحديد منهجيات استخلاص الحصيلة في العام 2018، وهي عبارة عن عملية تقوم بتقييم التقدم المحرز على صعيد الحد من الانبعاثات وتضمن أن الخطوات التي تم اتخاذها لمكافحة تغير المناخ هي كافية لتحقيق هدف الحد من الانبعاثات. وقد سمح المؤتمر أيضا لمدن عدة وشركات أعمال بدفع خطط العمل الخاصة بها والمتعلقة بمكافحة تغير المناخ قدما؛ وقد شملت هذه الخطط العديد من القطاعات، بما في ذلك النقل والبناء والطاقة. فعلى سبيل المثال، التزمت أكثر من 200 شركة، تبلغ قيمتها التجارية الـ 4.8 تريليونات دولار أميركي، بوضع أهداف قائمة على المعرفة العلمية وتنسجم علميا مع الجهود المبذولة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ما دون الدرجتين المئوية.
لبنان والفرص المتاحة
أما لبنان، فقد التزم باســــتراتيجية وطنية لخفض الانبعاثات بنســبة 15 في المئة في العام 2030 و30 في المئة إذا توفر الدعم المالي من خطط التــــمويل المتاحة في إطار الاتفـــاق. وقد وقع رئيس الوزراء تمام ســــلام اتفاق باريس نيابة عن الجمهورية اللبنـــانية، في حين أن الحكومة اللبنانية أحالت مشروع الــــقانون إلى البرلمان الذي سيصـــدّق عليه في نهاية المطاف.
ويشهد لبنان انخفاضا في عدد أيام هطول الأمطار وفي متوسط هطولها السنوي، الأمر الذي سيؤدي إلى بروز تحديات جسيمة على صعيد المياه والزراعة، من شأنها إضعاف أمننا الغذائي والمائي. ليتمكن لبنان من الاضطلاع بمسؤولياته، سيحتاج إلى الالتزام بتدابير الحد من الانبعاثات من خلال إصلاح قطاع الطاقة وزيادة مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى إدارة نفاياته وحماية البيئة وتعزيز النقل العام. وتتماشى هذه المسؤوليات مع مصلحة البلاد في تحسين كل من البنية التحتية الخاصة بها ومعاييرها البيئية وخدماتها العامة، بالإضافة إلى دعم نموها الاقتصادي في نهاية المطاف.
سيكون التمويل متاحا للمشاريع المتعلقة بالحد من الانبعاثات ولمشاريع التكيّف المتعلقة بشكل أساسي بقطاعي المياه والزراعة. وإدراكا منه لوضعه الهش، انضم لبنان إلى منتدى البلدان المعرضة لخطر تغير المناخ في مراكش. وهذا المنتدى هو شراكة دولية بين البلدان التي ستتأثر كثيرا بارتفاع درجة حرارة الأرض ويضع رؤية للتوصل إلى 100 في المئة طاقة متجددة من دون الالتزام بسنة معينة وحسب قدرة البلد المعني. هذا لا يعني أن قطاع التنقيب عن الغاز سيتأثر على الاطلاق في لبنان كما فسر البعض بشكل خاطئ، بل يعني فقط أن لبنان سيستفيد من هذا المنتدى كمنصة تعاون بين الدول النامية للعمل معا لمواجهة تغير المناخ العالمي والاستفادة من المساعدات المالية والتقنية من البلدان المتقدمة بشكل سريع وفعال.
يشكّل تغير المناخ مسألة ملحّة حقيقية وستقدم السنوات المقبلة فرصة غير مسبوقة للبلدان الصغيرة لتستفيد من آليات تمويل ونقل خبرات لتحسين طموحاتها الإنمائية وقدراتها على التكيف، بالإضافة إلى تقليص نقاط ضعفها. وعلى لبنان الاستفادة من ذلك.
طلال فيصل سلمان
السفير