بعد الصحافة الإلكترونية، والتضييق الأمني على الإعلام، وضعف المحتوى الصحافي، جاءت الأزمة الاقتصادية في القاهرة لتشكّل الضربة القاتلة التي ستقضي على الصحافة الورقية المتعثرة أصلاً منذ ثورة يناير.
النقاشات التي كانت تتحدّث عن مستقبل الصحافة المصرية، وضعت الصحافة الإلكترونية كصاحبة الضربة القاضية التي ستكتب كلمة النهاية لعصر الصحافة الورقية. غير أن هذا التحليل كان متفائلاً حين أشار إلى أنّ هذه النهاية ستكون خلال عشر سنوات، بينما الواقع يقول بأنّ النهاية باتت قريبة جداً.
قبل يومين، أرسلت مطابع «الأهرام» خطاباً رسمياً إلى الصحف التي تطبع لديها يفيد بارتفاع أسعار الطباعة 80 في المئة بدءاً من 15 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. هذا القرار يعني إما ارتفاع سعر الصحف إلى الضعف أو خفض عدد صفحاتها إلى النصف. تطبع في «الأهرام» غالبية الصحف الورقية، ولا توجد في مصر مطابع للصحف إلا تلك المملوكة للصحف القومية (الحكومية).
صحيح أن صحيفة «المصري اليوم» امتلكت أخيراً مطبعة خاصة، لكنها مطبعة صغيرة مقارنةً بالمطابع الحكومية. خطاب «الأهرام» يأتي بعد أسبوعين من قرار «البنك المركزي المصري»، بتحرير سعر صرف الجنيه المصري. إذ أكّد محافظ البنك طارق حسن عامر وقتها أن تحرير سعر صرف العملة المحلية، سيكون وفقاً لآليات العرض والطلب، وهذا القرار ارتبط بحصول مصر على قرض بـ 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. ومع تحرير أسعار الجنيه، ارتفع سعر الدولار في المصارف المصرية من 8.88 جنيه إلى متوسط 17 جنيهاً (حوالى دولار واحد) ولأن الخامات ومستلزمات الصناعة من أحبار وورق مستوردة من الخارج، لا سيما من الصين وفنلندا، فإنّ تحرير سعر الصرف أدّى إلى ارتفاع أسعارها، مما انعكس في قرار «الأهرام».
يبدو أنّ الوضع الاقتصادي المنهار للدولة ما هو إلا سكّين جديد في قلب الصحافة التي تتعرّض للمشاكل منذ ثورة 25 يناير 2011، إلى جانب سكاكين تتعلّق بالتضييق الأمني على الصحف، وضعف المحتوى الصحافي الناتج عن ضعف تدريب الصحافيين، إلى جانب الأزمات المالية الداخلية للجرائد وتحديداً الصحف الخاصة. أزمات طافت إلى السطح بعد وقف النسخة الورقية اليومية لصحيفة «التحرير» في الأوّل من أيلول (سبتمبر) الماضي. وقتها، قال مالكها أكمل قرطام أنه لا يوجد سبب سياسي لوقف الإصدار الورقي، بل عزاه إلى الأزمة الاقتصادية. السبب نفسه يهدّد صحيفة «الشروق» التي وصلت إلى حدّ عدم تسلم المحرّرين رواتبهم منذ أشهر، وصاروا يتقاضونها متقطّعة على مرات عدة. صحيفة «المصري اليوم» ـــ أكبر الصحف الخاصة اليومية ـــ بدأت سلسة من الإجراءات التقشفية التي كان عنوانها تسريح عدد كبير من المحررين، كونهم يمثلون عبئاً على موازنة الجريدة. هو الأمر نفسه مع صحيفة «الوطن» الخاصة التي تمرّ هي الأخرى في أزمة مالية حادّة. هذه الصحف الأربع (التحرير، المصري اليوم، الوطن، الشروق) هي الأكبر في سوق الصحافة المصرية، إلى جانب صحيفة «اليوم السابع» التي تبدو كأنها الناجي الوحيد حتى الآن. إذ تعتمد على موقعها الإلكتروني كوسيلة جذب للقراء أكثر من اهتمامها بالإصدار الورقي الذي لا يشعر به أحد. لذلك، فإن غيابه من السوق لن يؤثر في شيء، بينما باقي الصحف كانت تعتمد على الورقي باعتباره الأصل.
هذا عن الصحف الخاصة، أما الصحف القومية (الحكومية) فتعاني الكثير من المشاكل المالية والإدارية والتحريرية، غير أنّ الحكومة تدعم هذه الصحف وتدفع رواتبها المتعثرة. وهناك دراسات عن إعادة هيكلة الصحف القومية من أجل وقف نزيف خسائرها، غير أن تلك الدراسات جميعها لم تطبق على أرض الواقع حتى الآن. تشير التقديرات إلى أنّ كلفة طباعة النسخة الواحدة من أيّ صحيفة نحو أربعة جنيهات تقريباً، لكنه يباع بأقل من 50%، تتحمّل الحكومة هذا الفرق في الصحف القومية، بينما يتحمّله رجال الأعمال في الصحف الخاصة ويعوّضون ذلك في عائد الإعلانات.
غير أن ضعف التوزيع بسبب عدم تطوير الصحف أداءها في ظلّ استمرار تطور الصحافة الإلكترونية، هدّد سوق الإعلانات في الصحف، ودفع المعلنين إلى الصحافة الإلكترونية. تعتبر جهات توزيع الصحف الإعلان عن نسبة توزيع الصحف في مصر أمراً سرّياً، وترفض نشره بشكل رسمي. لكن التقديرات التي يرصدها خبراء النشر في مصر، تشير إلى انخفاض نسبة توزيع الصحف. إذ بلغت 1.7 مليون نسخة في كانون الثاني (يناير) 2006، ثم انخفضت إلى 1.4 مليون نسخة في كانون الثاني 2011، إلى أن وصلت إلى 470 ألف نسخة في كانون الثاني 2016. أرقام تعني أن سوق الصحافة فعلاً في انهيار.
محمد الخولي
الأخبار