وليد عبد الرحيم
تنص الفقرة “ي” من مقدمة الدستور اللبناني المعدل بموجب القانون الدستوري الصادر عام 21/9/1990 على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.
إن مبدأ العيش المشترك مبدأ قدسي يقوم عليه لبنان. وصفة القدسية لهذا المبدأ وردت، بحسب ما يذكر الرئيس حسين الحسيني، في مسودة وثيقة الوفاق الوطني، لكنها حُذفت من النص النهائي بناء على اعتراض البعض بسبب المعنى الديني الذي يمكن أن تأخذه الكلمة. وعلى الرغم من أن النص النهائي جاء خالياً من صفة القدسية، فإنها مفترضة ضمناً فيه. فالعيش المشترك قدسي بالنسبة إلى اللبنانيين. إنها الميزة التي يتميز بها لبنان، القاعدة الأساس التي يقوم عليها لبنان، وهي مؤسسة على أربع دعائم: الحرية، المساواة، العيش الكريم، والتكافل والتضامن.
ميثاق العيش المشترك هو العقد الاجتماعي بين اللبنانيين الذي بموجبه ارتضوا ان يكونوا في ما بينهم كياناً يجمعهم ويعيشوا فيه في بيئة الحرية والمساواة والعيش الكريم والتكافل والتضامن. فاللبنانيون هم المواطنون، مجموع الأفراد الذين يشكلون الشعب اللبناني الذي تعتبره الفقرة “أ” من مقدمة الدستور شعباً واحداً في أرض واحدة ويخضع لمؤسسات واحدة. اللبنانيون ليسوا كالبلجيك ولا السويسريين، ليسوا شعوباً عدة ولا يعيشون في كانتونات، هم شعب واحد عربي الهوية والانتماء، شعب واحد في أرض واحدة وسلطات واحدة (الفقرتان “أ” و”ب” من مقدمة الدستور)، ولغتهم الرسمية هي العربية (المادة 11 من الدستور)، و”أرض لبنان هي واحدة لكل اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين” (الفقرة ط من مقدمة الدستور).
ميثاق العيش المشترك هو الصيغة اللبنانية القدسية القائمة على الدعائم الاربع الآنفة الذكر المكرسة في الفقرات “ج” و”د” و”ه” من مقدمة الدستور التي تحدد طبيعة النظام السياسي اللبناني ومرتكزاته. ميثاق العيش المشترك هو ميثاق المواطنين اللبنانيين، وليس ميثاق الطوائف والمذاهب. فالحقوق التي كرسها الدستور اللبناني في الفصل الثاني هي حقوق اللبنانيين، حقوق المواطن اللبناني، وما الحقوق التي منحت للطوائف والتي هي حقها في نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية وإنشاء مدارسها الخاصة إلا حقوقاً تبعية تصب في مصلحة المواطن وليس الطوائف لأن غايتها تأمين ممارسة المواطن لحرية معتقده وتعلمه وأحواله الشخصية.
أما التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية الوارد في المادة 24 من الدستور، وتمثيل الطوائف في تشكيل الحكومة والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في وظائف الفئة الأولى الواردتين في المادة 95 من الدستور، فلا يمثل حقوقاً نهائية للطوائف لأنها بحسب منطوق النص موقتة وتُعتمد في مرحلة انتقالية، أي أنها معرضة للإلغاء في المستقبل، فهي لذلك لا تدخل ضمن الحقوق التي كفلها الدستور اللبناني بصورة نهائية للمواطنين اللبنانيين، ولا تدخل ضمن مفهوم ميثاق العيش المشترك.
بناء على ما تقدم، وبالعودة إلى نص الفقرة “ي” من مقدمة الدستور، فان المقصود هو أن أي سلطة تناقض صيغة التعاقد التي أبرمها اللبنانيون، المواطنون، وليس الطوائف والمذاهب، في ما بينهم والقائمة على الحرية والمساواة والعيش الكريم والتكافل والتضامن والنظام السياسي الديموقراطي البرلماني الذي اختاروه ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات والوطن السيد الحر المستقل، فاقدة للشرعية.
دكتور في القانون جامعة بيروت العربية