يستعدّ طلّاب كلّيات الهندسة والفنون والزراعة في الجامعة اللبنانية بكلّ فروعها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب للاعتصام أمام مبنى نقابة المهندسين في بيروت والشمال عند العاشرة صباح الغد، اعتراضاً على “نيّة” النقابة إخضاع المنتسبين الجُدد لامتحان تقويم الجدارة، المعروف بالكولوكيوم. مع الإشارة إلى أنّ هذه النقابة التي تضمّ أكثرَ مِن 60 ألف منتسِب، تشهد منذ عامين “شَدّ حبال” حول تنظيم عملية الدخول إليها.”هَيدا إنتقاص من قيمة شهادتنا”، “لولا الجامعة اللبنانية ما كان في نقابة للمهندسين”… وغيرُها من ردود فِعل طالبية ناقمة على نقابتهم التي باتت تعاني من تخمةٍ وعلى شفير تعذّرِ امتصاص تدفّقِ أعداد المنتسبين إليها، فجاء طرح النقابة والغيارى على المهنة: “لماذا لا نَضبط عملية الانتساب بإجراء امتحان على سبيل المثال أسوةً بالنقابات الأخرى؟”. سؤالٌ لمجرّد تفكير المعنيين به بصوتٍ مرتفع أثارَ سخطَ طلّاب “اللبنانية” الذين كانوا أوّلَ مَن رَفع الصوت عالياً أقلّه لاستثنائهم من الامتحان.
“لُبّ المشكلة”
يعود تأسيس نقابة المهندسين إلى العام 1952، وقد تعاظمَ عدد المنتسبين إليها في السنوات العشر الأخيرة، ليبلغَ حتى العام 2016 “51 ألف و190 مهندساً في نقابة بيروت فقط، وإذا أضيفَ إليهم مهندسو الشمال يصل العدد إلى 63 ألف مهندس” بحسب رئيس نقابة بيروت خالد شهاب.
أسبابٌ جمّة أدّت إلى هذا التضخّم، منها تزايُد أعداد الجامعات المخرِّجة للمهندسين، ما دفعَ ببعض الطلّاب إلى الهجرة أو العمل في غيرِ اختصاصهم أو التحوّلِ إلى عاطلين عن العمل. من هنا بدأت ترتسم ملامحُ أزمةٍ في الأفق، تنبئ بما لا تُحمد عقباه.
أسباب اعتراض الطلّاب
“تتنَظّم المهنة بَس مِش ع حسابنا”. هذا هو لسانُ حال معظم الطلّاب الذين استمعَت إليهم “الجمهورية”. وفي هذا الإطار يوضح مندوب “التيار الوطني الحر” في كلّية الهندسة في روميه زياد فخري: “تجدّد الحديث عن إمكانية اعتماد امتحان دخول إلى النقابة، من دون استثناء طلّاب “اللبنانية”، علماً أنّنا أساس النقابة وخزّانها ومرجعُها، ولا يمكن مقارنة طالب “اللبنانية” الذي يخضع لامتحان دخول أقلّ ما يمكن وصفُه بالتعجيزي، مع بقيّة الطلّاب. نتقدّم بالآلاف، ولا يُقبَل منّا سوى 200 مع معدّل لا يقلّ عن 12، من دون أن ننسى قساوةَ النظام في الداخل”.
ويضيف: “هناك “دكاكين” تخرّج مهندسين وطلّاباً، وفي المقابل طلّاب اللبنانية “ببِقّوا الدم” للحصول على الشهادة، نرفض مساواتنا بأحد، فلتَخضَع الجامعات المعروفة بـ”المستوى المتدنّي” لاختبار النقابة، آنَ الأوان لوضعِها عند حدِّها، فهي من تُسيء إلى سوق العمل وإلى سمعة المهنة”.
ويعطي فخري نموذجاً عن الضغط الذي يتعرّض له مهندس “اللبنانية”، فيقول: “لا تقلّ أعداد المواد في الفصل الواحد عن 12 مادة، فكيف نَقبل في نهاية المطاف، بعد امتحان دخول وتجاوُز العدد الهائل من المواد طوال ما لا يقلّ عن 5 سنوات، مع الإشارة إلى أنّه يحقّ لنا في مادتين فقط بالحصول على أقلّ من 60 على مئة، وإلّا نعيد العام الجامعي بكامله، كيف نَقبل بامتحان الكولوكيوم للنقابة بعد هذه المشَقّة كلّها؟”. وعمّا إذا تَواصَل الطلّاب مع النقيب، يقول: “نحن في صَدد الإعداد لموعد معه بعد أن نتّفق في ما بيننا كطلّاب”.
لاعتماد معدل العلامات
كذلك دعت دائرة الجامعة اللبنانية في مصلحة الطلّاب في “القوات اللبنانية “للمشاركة في الاعتصام، معتبرةً “أنّ إلزام حامِلي شهادة “اللبنانية” في كليات الهندسة والزراعة والفنون الجميلة بامتحان “الكولوكيوم” من قبَل النقابة لا يمكن وضعُه إلّا ضمن الظلمِ الذي يتعرّض له هؤلاء الطلّاب”، داعيةً إلى إعادة النظر، والاتّجاه نحو خطوات أكثر عَملية وعادلة، منها وضعُ شروط معيّنة على الجامعات من حيث معدّل العلامات الأدنى في الشهادة الثانوية الرسمية التي تَسمح للطلّاب الترشّحَ لامتحان الدخول إلى كلّيات الهندسة، كما يَحدث تماماً في المدرسة الحربية. كذلك الحدّ من التراخيص العشوائية لجامعات لا تَستوفي الشروط الأكاديمية”.
موقف النقابة
يحاول شهاب في حديث لـ «الجمهورية» امتصاص نقمةِ الطلّاب، محاكياً نضجَهم، ومعوِّلاً على وعيهم، ويشرَح: “منذ العام 2011، بلغَ عدد المنتسبين 14 ألف و300 مهندس. هل يمكن تصَوُّر هذا الواقع في نقابة لا يتجاوز عمرُها الـ 65 سنة؟ نحن ضدّ “التفريخ” غير المجدي في بعض الجامعات، نشجّع جودةَ المهنة وبالتالي تنظيمَ الدخول إليها”.
ويضيف: “قلنا لوزارة التربية والتعليم العالي، إنّ نقابتَنا مستعدّة لتتعاونَ مع الجامعات اللبنانية كافة، وعلى رأسها الجامعة اللبنانية، لإعداد دراسة كاملة شاملة عن احتياجات سوق العمل، فلا يجوز على سبيل المثال أن يكون 38 في المئة من بين الـ14 ألف الذين انتسَبوا حديثاً إلى نقابة المهندسين في بيروت، خرّيجي كهرباء واتّصالات. يمكن المطلوب 70 % أو 10 %، يجب أن يكون هذا الموضوع وفقَ وجهات عِلمية بحثية”.
لماذا هذه النقمة على النقابة؟ يجيب شهاب: “كلّ ما في الأمر أنّنا فكّرنا بصوت عالٍ بطريقة ضبطِ إيقاع المجموعات التي تتخرّج، فلا يجوز اليوم أن يكون أكثر من 32 ألف طالب مسجّلين في مراحل التعليم الجامعي الهندسي في الجامعات اللبنانية.
طلبنا من وزير التربية الياس بوصعب، الذي تجاوبَ معنا، وضعَ الضوابط والأنظمة التي تمنع أن تتحوّل مهنة تعليم الهندسة إلى تجارة”، مؤكّداً أنّه “ليس مع إقفال جامعات، إنّما تطوير مهنية التعليم في الجامعات كافّة”.
“إعتراض مشبوه”
متى امتحانات الدخول؟ ما هي طبيعة الأسئلة؟ يردّ شهاب بنبرةٍ استيعابية: “حتى هذه اللحظة لم نتّخذ قرارَ إجراء امتحان دخول، وأفكار كثيرة مطروحة، منها فكرة “الكولوكيوم” قبل أن يَدخل الطالب إلى الجامعة، فنُحدّد بأنّ هؤلاء يحقّ لهم دراسة الهندسة… ولكن هناك من يصطاد في الماء العكر، يُجيّش الطلّاب والأساتذة لتفعيل القضية”. ويضيف: “لو كنتُ مكان طلّاب “اللبنانية” وأساتذتهم، لكنتُ خضعتُ للامتحان، طالما إنّهم واثقون من قدراتهم، وهم دائماً من المتفوّقين”.
ويذهب شهاب أبعد من ذلك سائلاً: “أيّ نقيب يبقى 4 أشهر من ولايته، يفتح ملفّاً ليُهاجَم، إلّا إذا كان مقتنعاً بوجود ضَرر على المهنة وأبناء الوطن”؟ مؤكّداً “أنّ معالجة المهنة لا تتمّ إلّا بالتروّي والهدوء”، من دون أن يستبعد في الوقت عينه “وجود ذيولٍ سياسية “مليون بالميّة” تَجييشية”.
طلّاب “اللبنانية” مستثنَون؟
أمّا عن موقف أساتذة اللبنانية من الامتحان، وعن إمكانية استثناءِ طلّابهم من الامتحان في حال حصوله، فيقول: “كان بوسعي منذ اليوم الأوّل وفقاً للقانون 636، (أجاز لنقابة المهندسين وضعَ شروط الانتساب)، إجراءَ امتحان.
ومنذ نحو عامين و8 أشهر أتعامل مع الموضوع بهدوء، لمستُ تجاوباً لدى المعنيين، وقناعةً بوجوب الامتحان، ولكن للأسف، برأيي هناك من يحاول الاستثمار شعبوياً، على أيّ حال غداً الاثنين (اليوم) سألتقي رئيسَ الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب، ومعظم المديرين الذين أعرفهم متحمسون للفكرة”.
لماذا طلّاب الجامعات الخاصة لم يفكّروا بعد بأيّ تحرّك؟ يجيب: “باعتقادي أنّهم أكثر من يجب أن يَرفعوا الصوت، لذا أستغربُ تصرّفَ طلّاب “اللبنانية”، والتذرّع بأنّها جامعة الوطن.
إذ إنّ طلّاب عددٍ من الجامعات العريقة وأقدم منها، لم يتحرّكوا. لا أحد يُزايد على أحد في الوطنية”، كاشفاً “أنّ البعض عرَض عليَّ الخضوع للامتحان ولكن من دون إعلان النتائج مَن رسَب ومن نجَح، “طيّب من شو خايف” طالب اللبنانية؟ علماً أنّ أفضلَ امتحان دخول هو المعتمد في كلّيات “اللبنانية”، لذا لا أفهم سرَّ خوف هؤلاء”.
هل يحمل اجتماع اليوم بين شهاب وأيوب ما يُبرّد أعصاب الطلاب ويُعدّل في اعتصام الثلثاء؟
نتالي اقليموس
الجمهورية