وسط الأزمة الحادة التي تعانيها الصحافة المكتوبة والقطاع الاعلامي ككل، وبعد 49 جلسة، خلصت لجنة الإعلام والاتصالات أمس إلى إقرار اقتراح قانون موحد للاعلام، فبات للقطاع الإعلامي قانون ينتظر إقراره في الهيئة العامة لمجلس النواب. ولعلّ أهمية هذا القانون في أنه موحد، يشمل كل القطاعات الاعلامية، حتى الإلكتروني منها، فما هي مميزاته وابرز فصوله؟
أنهت لجنة الاعلام درس الاقتراح – المنتظر، بعد عمل طويل، بدأ في الـ2011، وانتهى بعد خمسة اعوام. ثلاثة وزراء للإعلام، ووزيران للاتصالات، تعاقبوا على تسلم مهماتهم وشاركوا في اجتماعات اللجنة والمناقشات من أجل بت اقتراح قانون للاعلام.
في الشكل، كانت مروحة المشاركين تتفاوت بين جلسة واخرى، من ممثلين لمحكمة المطبوعات ونقابتي الصحافة والمحررين وممثلين لوسائل الاعلام المرئي والمسموع والأمن العام. وفي الشكل ايضا، بدأت المناقشات من اقتراحي قانون. أول يختص بتعديل قانون المطبوعات مقدم من النائب روبير غانم، وآخر يتعلق بقانون الاعلام المقدم من النائب غسان مخيبر، لينتهي البحث إلى قانون واحد موحد.
اما في المضمون، ووفق معلومات “النهار”، فان الاقتراح يعتبر حديثا، لكونه ينهي قانونا كان لا يزال معمولا به منذ الـ1962، باعتبار أن التشريعات المعتمدة حاليا تتعلق بقانون المطبوعات الصادر تلك السنة، الى جانب قانون آخر ينظم الاعلام المرئي والمسموع صدر في الـ1994، وسط غياب اي اطر قانونية للاعلام الالكتروني، رغم فورة المواقع وكثرتها.
الاقتراح الجديد مؤلف من 35 صفحة، ويقع في ابواب عدة: احكام المطبوعات، الإعلام الإلكتروني، المرئي والمسموع، تنظيم ملكية وسائل الإعلام والأحكام الجزائية والمدنية المترتبة على النشاطات الإعلامية، أي مخالفات الاعلام.
ويمكن القول ان اقتراح القانون الجديد اتى نتيجة جهد مشترك من النائب مخيبر، بالتعاون مع جمعية “مهارات”، وبعض التعديلات المقدمة من رئيس لجنة تحديث القوانين النائب غانم، الى آراء عدد من ممثلي وسائل الاعلام الذين شاركوا في بعض جلسات اللجنة، فضلا عن تعديلات قدمتها نقابة المحررين ايضا.
الأبواب الخمسة
“النهار” حصلت على النقاط البارزة التي يتضمنها الاقتراح:
أولا، استبدال نظام التراخيص للمطبوعات والمنشورات بنظام “العلم والخبر”، تماما كما هو معمول به في نظام الجمعيات.
ثانيا، إلغاء امتيازات امتلاك الصحف عبر الغاء المرسوم الاشتراعي الذي يحدد الامتيازات، الامر الذي يفسح المجال أمام اصدار المطبوعات الدورية من دون تقيّد بعدد التراخيص، وبمعزل عن الاحتكارات، ووفق تعبير رئيس لجنة الاعلام النائب حسن فضل الله: “هذا الامر يطلق الحرية لإصدار المطبوعات، وخصوصا في ظل الأزمة التي تعانيها الصحافة اللبنانية نتيجة للوضع المالي، بمعنى اننا خرجنا من نظام الاحتكارات في الشكل الذي كان مستمرا منذ الخمسينات، اي الخروج من مفهوم اصحاب الامتيازات السياسية، والانتقال الى الحرية في اصدار المطبوعات، إنما من ضمن ضوابط محددة، وفق القانون والأصول”.
ثالثا، بند اساسي حدده الاقتراح الجديد وهو تنظيم وسائل الإعلام الإلكتروني. وأخيرا، بات للاعلام الالكتروني قانون، بعدما شرّع الفضاء لكل موقع ووسيلة الكترونية، بلا ضوابط وأحكام. ونتيجة هذا الواقع الذي كان سائدا، كان الإعلام الإلكتروني يستند تارة الى قانون العقوبات، وطوراً يتبع قانون المطبوعات، مما اعطى مجالا اوسع للفوضى التشريعية والقانونية.
رابعا، اعترف الاقتراح الجديد ايضا باستطلاعات الرأي، ومخالفات الإعلام.
خامسا، يشمل الاقتراح الإعلام المرئي والمسموع ويخرجه من السلطة السياسية الى مجلس وطني للاعلام بصلاحيات كاملة، بعدما كان المجلس الوطني ذات صفة استشارية فقط.
هذه العناوين تكاد تختصر القانون الجديد للاعلام، وعلمت ” النهار” ان ميزة الاقتراح انه لن يتضمّن طلبات تراخيص للمواقع الإلكترونية الإخبارية، بل سيتيح حرية الاختيار أمام صاحب الموقع الإخباري بتقديم “علم وخبر” إلى وزارة الإعلام، كي يصبح كبقية المؤسسات الاعلامية.
وفي اطار الاعلام المرئي والمسموع، اعترف الاقتراح الجديد بالبث الرقمي للقنوات التلفزيونية، لكن الأهم هو تحول المجلس الوطني للاعلام من صلاحيات استشارية الى تنفيذية، وهذا ما قصده فضل الله “بمجلس متخصص بصلاحيات كاملة”، مع تعديلات جوهرية على شروط تعيينه، وهكذا يتحول المجلس من “هيئة صورية” الى سلطة اولى للقطاع المرئي والمسموع، لأن المرجعيات في هذا القطاع كانت موزعة بين وزارة الإعلام ومجلس الوزراء والمجلس الوطني الذي كان يتمتع بدور استشاري فحسب.
تبقى النقطة الجوهرية في الاقتراح والمتعلقة بالمخالفات. والأهم فيها ان الاقتراح يلغي عقوبة السجن، ويبقي الغرامات. وهو يلغي ايضا التوقيف الاحتياطي في جرائم الإعلام، والأبرز ان القانون الجديد يلغي الجرائم والعقوبات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير من قانون القضاء العسكري، فتكون بالتالي المؤسسة العسكرية كأيّ شخص معنوي يتخذ صفة الإدعاء أمام المحاكم المدنية، في حال تعرّضها لجرمٍ ما من وسائل الإعلام.
فضل الله علّق على هذا الإنجاز بالقول: “عمل طويل أوصل قانون الاعلام الى الهيئة العامة. وهذا اقتراح يواكب الحد الادنى من التطور، لأننا نحتاج دوما الى التطور في هذا المجال، والى مواكبة تطوير التشريعات الاعلامية المستمرة والسريعة”.
والسؤال، هل سيكون الاعلام امام قانون جديد في القريب العاجل، والأهم متى الإفراج عن حل لأزمته الخانقة؟
النهار