رُلى الزين، الصديقة صحافية الانثروبولوجيا والأركيولوجيا التي عرفتها منذ أربعين سنة في حديقة أميركية في بيروت زمن متعة الصبا وزهو الشباب، يوم كانت بيروت فردوساً لنا أجمعين، غادرتنا إلى مثواها الأخير في كفر رمّان، مسقط أهلها في بستان الجنوب الزاهر.
من هنا اختصاص في الأركيولوجيا، فإلى أوكسفورد في الانثروبولوجيا، وما أن صدرت صحيفة “الحياة” في لندن حتى كانت فيها باحثة في الفن والأدب، فباريس مع “الحياة” أيضاً مقابلات وأحاديث مع مفكرين وشعراء عرباً وأجانب. ولما عادت إلى بيروت كانت في جملة المنقّبين عن الآثار ودرسها في وسط بيروت، فكتبت في شأنها قبل أن تترك مؤلّفاً عن الرسم المصري الحديث.
دهمها المرض ولم يمهلها، فأهملنا بعدها وهي مراسيل اللطف وبيان الكياسة.
زرتها في جنائن أوكسفورد ولندن، وفي باريس دهر الغربة دخلنا في ثقافتها، وكان جولان أيام الآحاد في غابة بولونيا وعرّفتني على صحبها يوم كان مسكنها قبالة إقامة بلزاك ملتقى ثقافياً، والتحقنا بركب السياسة في محافلها يوم كانت فكراً قومياً محضاً. ويوم التقيت بها عند ضفّة نهر منتصف الطريق بين الإقامة والرحيل قرأت عليّ بالفرنسية بحيرة لامارتين، واستوقفنا بيتان عربّهما نقولا فياّض بقماشة زيدونية:
هيهات هيهات أن الدهر يسمع لي
فالوقت يفلت والساعات تفنينا
أقول لليل قف والفجر يطرده
ممزقاً منه ستراً بات يخفينا
وهي التي اقترحت عليّ من باريس يوم عدت إلى بيروت “يوميات مغادر” عنواناً لما حبرّته في الصحف السيّارة من فقرات مهاجرة ومقيمة وحجّتها أني أبداً مغادر.
هناك اليوم ترقد رلى الزين في كفر رمّان إلى جانب طلعت ونجلا مروّة عند سفح عامل وعلى مطلّ من الجليل هانئة بعيدة عن جلبة سياسية وقرقعة فكر.
محمود شريح – كاتب
النهار