قبل اتخاذ مجلس بلدية البترون قراراً بتوزيع الكتب الموجودة في مكتبة البترون العامة، لم نكن نسمع كثيراً بمكتبة البترون وبنشاطاتها. بعد قيام بلدية البترون بإقفال المكتبة وتوزيع الكتب، تشكّلت لجنة متابِعة للدفاع عن المكتبة العامة في البترون مكوَّنة من مثقفين في بلاد البترون وغيرها، وبدأت تُصدر البيانات وتعلّي الصوت عبر الإعلام مطالِبةً باسترداد الكتب وإعادة فتح المكتبة. هل حقاً تصرُّف المجلس البلدي في البترون ورئيسه هو تصرّف «داعشي» كما وُصِف؟ وهل حقاً أُقفِلت مكتبة البترون وأُبيدت كتبها وتاريخها وتراثها؟ هل ستُفتَح مجدداً وهل ستُستعاد الكتب؟ أو أنّ القضية سيقتلها الوقت والنسيان؟الدكتور عصام خليفة ممثّل لجنة الدفاع عن المكتبة العامة في البترون والمسؤول في الحركة الثقافيّة-انطلياس يؤكّد أنّ «هدفنا أن تُستعاد الكتب، وإذا لم تفتح المكتبة فمعركتنا مفتوحة إلى 100 سنة… وسنتخذ كلّ الخطوات اللازمة لذلك، ولربما نقوم باعتصام أو غيره من التحرّكات لتحقيق هدفنا». أمّا رئيس بلدية البترون مرسيلينو الحرك فيعتبر أنّ «الإجراء الذي اتخذته البلدية قانوني»، ويوضح أنّ «المكتبة نُقِلت إلى مبنى آخر ولَم تُقفل».
فعل… وردود فعل
قامت بلدية البترون بإقفال المكتبة العامّة في المدينة وبتوزيع الكتب التي تضمّها المكتبة خلال شهر تشرين الثاني 2016. أمرٌ اعتبره مثقفون، بأنه يُشبه ما فعلته داعش بمكتبة الموصل (الحرق والنهب والتدمير).
وأشاروا في بيانٍ صادر في 14-11-2016 إلى أنّ المكتبة كانت تحوي 30 ألف كتاب، من ضمنها كتب قديمة وقيّمة، واتهموا البلدية بخرق البروتوكول المُوقّع بين وزارة الثقافة (ممثلة بالوزير غسان سلامة) وبلدية البترون ممثلة بـ(مرسلينو الحرك)، الذي ينصّ على أن تكون البلدية مسؤولة «عن صيانة وإعداد المكتبة»، «وعن سلامة المواد الموجودة في المكتبة».
وطالبت لجنة متابعة للدفاع عن المكتبة العامة في البترون من خلال بيانٍ صادر في 18-11-2016 بتطبيق المادة 103 من قانون البلديات التي تحمّل المسؤولية لرئيس المجلس البلدي إذا أخلّ بالواجبات التي تفرضها عليه الأنظمة والقوانين. كما طالبت الجهات المعنية برفع الحصانة عنه كمقدمة لتقديمه للمحاكمة الجزائية وتحمّل كلّ عطل وضرر وهو لا يقلّ عن مليون دولار أميركي.
وأصدر وزير الثقافة السابق روني عريجي قراراً طالب فيه رئيس بلدية البترون مرسيلينو الحرك بـ»ضرورة الرجوع عن قرار إقفال المكتبة العامة في البترون وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه»، معتبراً أنّ القرار «يُشكل مخالفة واضحة للبروتوكول الموقّع بتاريخ 12-2-2003 بين وزارة الثقافة وبلدية البترون».
حكاية… مكتبة
يخبر الدكتور عصام خليفة قصة المكتبة لـ«الجمهورية». ويقول: «اتصل بي سنة 1985 المطران غريغوار حداد، وأخبرني أنّ هنالك مكتبة اسمها «واحة الرجاء»، تقع خلف المتحف تتعرّض للقصف ولا يأتي أحدٌ إليها، وسألني إن كنت أعرف مَن يهتم بالمحافظة عليها. فاتصلت برئيس بلدية البترون حينها كسرى باسيل، وحصلت عليها بلدية البترون وحوّلتها إلى مكتبة عامة وأنشأت المركز الثقافي البلدي ليديرها.
وأصبحت البلدية تقوم من خلاله بنشاطات من ندوات ومحاضرات وغيرها، وأخذت المكتبة تكبر مع مرور السنوات وتأتيها مساعدات من دول أوروبية وأميركا ودور للنشر، كما كان يُنظّم معرض للكتاب فيها، وتتمّ إعارة نحو 7 آلاف كتاب سنوياً لطلاب المدارس».
اللوائح التي يملكها خليفة تشير إلى أنّ عند استلام مرسيلينو الحرك رئاسة المجلس البلدي في الـ2001 كان يوجد في المكتبة 17 ألف كتاب. ويشير تقرير آخر مُرسَل من بلدية البترون إلى وزارة الثقافة في العام 2014، أنّ العدد الإجمالي للكتب للكبار والصغار هو 10632 كتاب.
رمي الكتب في مكبّ!
يشير الدكتور خليفة إلى أنه إضافةً إلى الكتب التي تمّ توزيعها على المدارس فقد تمّ توزيع 3 آلاف كتاب للأمن الداخلي، 2500 كتاب لأحد الأشخاص، وتمّ رمي عدد كبير من الكتب في مكب اده البترونية».
ورداً على قول الحرك بأنّ المكتبة ترتّب تكاليف على البلدية، يبرز خليفة مستنداً رسمياً يشير إلى تلقّي المكتبة تبرّعات بقيمة 12300 دولار أميركي في العام 2004.
إلى جانب البيانات تقدّم المثقفون أو لجنة المتابعة للدفاع عن المكتبة بـ3 دعاوى أمام المدعي العام المالي، المجلس التأديبي، وقاضي الأمور المستعجلة في البترون، مطالبين باسترداد الكتب وإعادة فتح المكتبة. أمّا عن خلفيات شخصيّة أو سياسية وراء مهاجمة رئيس بلدية البترون مرسيلينو الحرك، يؤكّد خليفة «لا أعرفه ولا خلافات معه… وإذا استُردّت الكتب وفُتحت المكتبة تنتهي القصة».
ويشير إلى أنها «معركة مفتوحة سنقاتل فيها 100 سنة إذا اضطر الأمر… وسنتخذ كلّ الخطوات اللازمة، ولربما نقوم باعتصام».
ورداً على القول بأنّ حاجات الشباب تبدّلت مع تطوّر وتنوّع وسائل القراءة، يقول خليفة «الانترنت مهم والكتاب مهم، والإثنان يتكاملان ولا يحلّ أحدهما مكان الآخر… ولو لم تعد هناك من أهمية للكتاب لكان تمّ إلغاء مكتبة الكونغرس الأميركي».
ويختم، مؤكداً أنّ «المكتبة كانت تقوم بدور إشعاعي في المنطقة، وكانت تضمّ إلى جانب الكتب رسوماً ووثائق تحمل تراث المنطقة».
لا مكان للكتب!
رئيس بلدية البترون يؤكّد أنه تمّ نقل المكتبة بسبب الكلفة التي كانت ترتّبها على عاتق البلدية وبسبب تبدّل حاجات المجتمع البتروني. ويروي لـ«الجمهورية»: «مركز المكتبة كان في مبنى مُستأجر، وفي آخر 5 سنوات كان يوجد فقط 8 مشتركين في المكتبة ولم يكن يأتي أحد إليها، وكانت تكلّف البلدية حوالى الـ3 آلاف دولار شهرياً… وأصبح هنالك مبنى جديد لبلدية البترون فخصّصنا مكاناً للمكتبة في الطابق الأرضي منه».
الكتب تمّ توزيعها على مدارس مدينة البترون حسب حاجاتها، يقول الحرك، ويوضح أن لا «مكان متوافر لجميع الكتب».
و يشرح أنّ «المكتبة الجديدة إلكترونية elibrary وتمّ تجهيزها بـ10 أجهزة كمبيوتر موصولة بمكتبات أهم الجامعات في لبنان، ما يسمح لكلّ طالب بأن يقوم ببحث في المكتبة».
ولفت إلى أنّ «أجهزة الكمبيوتر تحتوي على أرشيف محكمة البترون الذي تمّ تجميعه وتوثيقه بالتعاون مع جامعة الروح القدس-الكسيلك، إضافةً إلى الأرشيف العثماني عن بلدية البترون، الذي يتمّ تحضيره وترجمته».
يوجد جزءٌ صغير للكتب ضمن المكتبة، يقول الحرك، ويضيف «نحن أدرى بحاجة مجتمعنا وهذا القرار اتّخذه مجلس بلدية البترون…». ويتابع «الكتاب ذهب إلى مكتبات المدارس التي تجبر الطالب أن يقرأ… وإلى مكتبات السجون، فالكتاب للقراء وليس للعرض».
المكتبة الجديدة
أما عن البروتوكول المُوقَّع بين البلدية ووزارة الثقافة، يؤكّد الحرك «لم نخرق أيّ بروتوكول. وهذا البروتوكول وُقّع عندما قام وزير الثقافة غسان سلامة بإنشاء مكتبات في عدد من البلديات، والمكتبة ملك بلدية البترون وأُنشئت قبل هذا البروتوكول».
عن طرده لدوريس سلوم من عملها وهي شقيقة الدكتورة أودين سلوم الناشطة في متابعة قضية اقفال المكتبة، يقول الحرك إنّ «دوريس سلوم أساءت أمانة المكتبة، فإنها موظفة في المكتبة، ولم تقم بتسجيل عدد الكتب التي أخذتها المدارس… ولقد سلّمت الكتب إلى أشخاص لم نحصل على توقيعهم بالتسلّم لذلك أوقفناها عن العمل».
آخر إحصاءات للبلدية تشير إلى أنّ هنالك في المكتبة حوالى 8 آلاف كتاب، تمّ توزيع غالبيتها، وبقي منها نحو ألف كتاب. ويقول الحرك «احتفظنا بالكتب الأكثر أهمية ومعظم الكتب التي تمّ توزيعها هي لصفّ البريفيه وما دون… كما أنّ نصفها تقريباً لم يعد صالحاً والمبنى الجديد لا يتّسع لها».
ويشير الحرك إلى أنّ «مَن يطالبون باسترداد الكتب لا يملكون صفة ولا ملكية وليسوا من المدينة حتى…».
تُفتتح المكتبة العامة الجديدة في البترون مع افتتاح المركز الجديد للبلدية في بداية العام 2017، ويعلن الحرك «سنفتتح معارض مهمة مع افتتاح المكتبة، مثل أرشيف المحكمة والأرشيف العثماني، وأرشيف عن فنانين في المدينة». ويشير إلى «أننا نتميّز عن بقية المكتبات، كي نجذب الشباب الذين ما عادوا يستعينون بالكتاب كما قبل».
عبّر كلّ فريق عن وجهة نظره، وتبقى للقضاء والمراجع المعنية الكلمة الفصل بهذه القضية. أما الكتاب فلا يخسر حرفاً من قيمته أينما حلّ، ولكنّ الأمكنة والناس هم مَن يخسرون من قيمتهم من دون كتب، فـ»الكتب أجمل أثاث في البيت وإن لم نقرأها».
راكيل عتيّق
الجمهورية