أزمة الصحافة والاعلام في لبنان لم تعد سراً على أحد. أعرق وسائل الاعلام والصحافة المكتوبة في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا أقفلت وتقفل، أو تحولت الى الصحافة الالكترونية فقط. فالورق يموت شيئاً فشيئاً، وقراءة الكتاب تراجعت كما قراءة الصحيفة. وهذا واضح بعد استبدالها بالخبر السريع المنقول الكترونياً وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث مثلا في الولايات المتحدة ربح دونالد ترامب في وسائل التواصل الاجتماعي، في مواجهة الوسائل التقليدية التي كانت ضده.
اليوم مصير الصحافة المكتوبة في الدول العربية وفِي لبنان مجهول وغامض، خصوصاً بعدما توقفت “السفير”، إحدى الصحف الأكثر عراقة في لبنان. ففي بداية السنة قلنا وداعا لـ”السفير” وودعنا أحد أعرق الصحافيين في لبنان الاستاذ طلال سلمان، لان الوضع الاقتصادي في لبنان والدول العربية لم يعد يسمح بالاستمرار، ولان الصحافة الورقية تضررت أكثر من غيرها جراء التطور التكنولوجي الهائل.
اليوم الصحف والمجلات المطبوعة تعاني في لبنان، وهي تحاول الاستمرار، ولاسيما منها التي تملك رسالة وتاريخاً وارثاً مهنياً عريقاً، لان الاستمرارية ليست طبعا للربح، والمهنة لم تعد كما كانت عندما كان القارئ ينتظر مانشيت الجريدة ليعلم الخبر، فالخبر أصبح عبر هاتف كل مواطن. لكن الأكيد ان الجريدة ما زالت مصدراً للتحليل المعمّق، والصحافي الذي يكتب مقالاً أو تحقيقاً ما زال مثالاً للمهنية العالية، وما زال اسمه يضفي صدقية على المقابلة أو التحليل. وعلى رغم الأخطار الكبيرة المحدقة بالصحافة، لا تزال الحاجة اليها كبيرة ومتعاظمة، لان المعايير المهنية التي تميز هذه المهنة جعلتها حقيقة “رسالة” كما كان يصفها كبيرنا وعميدنا الراحل غسان تويني. والصحافة اللبنانية خصوصاً تتميز عن كل القطاع الصحافي والاعلامي في العالم العربي. وباعتراف العرب أنفسهم، هي السباقة في إرساء المعايير المتعلقة بقضايا الانسان اللبناني والعربي، ولاسيما منها قضايا الحريات والحق في المعرفة والحق في النقد والحق في الاختلاف والحق في الديموقراطية والتعددية، وما الى ذلك من قيم كبرى. لذا ليس غريباً ان نخاف على الصحافة، وان نخاف على لبنان كلما تهدد مصير الصحافة، لأن لبنان بلا صحافته لن يبقى لبنان الذي يجمع القيم الكبرى التي يصدرها الى محيطه والى العالم.
الصحافة الحقة هي الاعلام الجدي الذي يعالج الخبر بصدقية ومهنية ويحترم أصول المهنة ويحرص على احترام عقول القراء.
واليوم نقول وداعاً لـ”السفير” وشكراً لهذه المؤسسة العريقة التي كانت شاهدة على الاختلاف بحضارة، والتنوع الجميل والمفيد، وكانت من المساهمين في إرساء زمن الاعلام الذهبي.
فشكراً ووداعاً.
ميشيل تويني
النهار