شهدت اسطنبول بين ١٠ و١٢ تشرين الأول الحالي مؤتمرا أرثوذكسيا، وصف بالتاريخي، عقد للمرة الأولى منذ العام ،١٩٩٢ جمع بطاركة الأرثوذكس في العالم، على أن يقوم البطاركة بزيارات إلى عدة مدن في تركيا وفي رودوس وكريت.
وتعهد البطاركة، في بيان ختامي في اسطنبول، بالعمل معا من اجل وحدة اكبر للكنيسة الأرثوذكسية عبر تخطي الاختلافات من خلال روح الوحدة والسلام. وعبروا عن رغبتهم بتعزيز الحوار بين الكنائس المسيحية ومع المسلمين واليهود.
وكرر البطاركة تعهدهم »بوحدة الكنيسة الأرثوذكسية، عبر حل أي مشكلة حول العلاقات تبرز من وقت إلى آخر من خلال روح الحب والسلام«. وتحدث البيان عن الحاجة إلى »التنازل عن العصبية القومية والاثنية والتشدد الإيديولوجي التي كانت في الماضي«. وأضاف »بهذه الطريقة فقط سيكون لكلمة الأرثوذكس التأثير المطلوب على العالم المعاصر«.
واعتبر البيان أن الأزمة المالية العالمية نتاج »للاستغلال الجنوني للعوامل الاقتصادية والنشاطات المالية الفاسدة… ان الاقتصاد القابل للنمو هو ذلك الذي يدمج بين العدل والتضامن الاجتماعي«.
وكان لحضور بطريرك روسيا ألكسي الثاني وقع استثنائي، إذ للمرة الأولى يزور بطريرك روسي اسطنبول منذ العام ،١٩١٩ عندما رفض بطاركة روسيا الأرثوذكس زيارة اسطنبول بعدما دعمت بطريركية اسطنبول استقلال كنيسة استونيا ودول البلطيق عن الكنيسة الروسية. وقد ظهر أيضا الخلاف بين بطريركية موسكو واسطنبول، في تموز الماضي، بعدما دعا الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو بطريركي روسيا واسطنبول إلى المشاركة بالذكرى الـ١٠٢٠ لاعتناق أوكرانيا المسيحية، وهتف مؤيدون لروسيا، ضد بطريرك اسطنبول برتلماوس الثاني، »ألكسي هو بطريركنا«.
وشارك في المؤتمر ممثلو ١٧ بطريركية وكنيسة أرثوذكسية في العالم في إطار الاحتفالات بسنة القديس بولس. وناقش المؤتمر المواقف التي يجب أن تتخذها الكنيسة في ضوء المتغيّرات العالمية.
وبناء لتعليمات وزارة الخارجية التركية استقبل البطريرك ألكسي الثاني في صالون الشرف، ومن بعدها مضى إلى منطقة فنار مقر البطريركية الأرثوذكسية التركية، حيث التقى برتلماوس. وكانت المرة الأخيرة التي التقى فيها بطاركة أرثوذكس في اسطنبول في ٢٤ أيار العام ٢٠٠٥ عندما حاكموا بطريرك القدس ايرينيوس بعد بيعه أملاكا غير منقولة بصورة غير شرعية إلى إسرائيليين.
وشكل وصول البطريرك الروسي فرصة لتفسيرات متعددة حول التوازنات داخل الكنيسة الأرثوذكسية في العالم التي تشهد تصدعات من جراء الصراعات السياسية بين الدول المعتنقة للأرثوذكسية، ولا سيما بعد أحداث جورجيا وابخازيا واوسيتيا وأوكرانيا.
وذكرت صحيفة »صباح« التركية إن اللقاء بحضور بطريرك روسيا يقوي يد بطريركية اسطنبول، ويؤكد على كونها »أولى بين متساويين«، في وقت كانت بطريركية روسيا تحاول أن ترث الصفة المسكونية (العالمية) لبطريركية اسطنبول.
ويقول الباحث التركي نيازي اوكتيم إن المؤتمر وضع بطريرك روسيا أمام حتمية القبول بقوة برتلماوس، وعدم إمكانية رفض الصفة المسكونية لبطريركية اسطنبول، وذلك بعدما كان ألكسي الثاني يطالب بإعادة النظر في صفة بطريركية اسطنبول، على اعتبار أن وجودها في بلد مسلم لا يجعلها تتحرك بحرية.
وفي الواقع فإن الخلاف بين اسطنبول وموسكو ظهر علنا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ولا سيما بعد انفصال كنيسة استونيا عن بطريركية موسكو وإعلان تبعيتها لكنيسة اسطنبول وهو ما أثار قلق كنيسة موسكو.
من جهة ثانية، وبعد المواقف المؤيدة لاعتبار بطريركية اسطنبول »مسكونية« من جانب المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية باراك اوباما، ها هو المرشح الجمهوري جون ماكين يدعو إلى الموقف ذاته. ففي رسالة وجهها إلى الرئيس جورج بوش، دعا ماكين إلى افتتاح مدرسة الرهبان في هايبلي اضه قرب اسطنبول، والى التعاون مع حكومة تركيا والاتحاد الأوروبي من اجل تأكيد مسكونية بطريركية اسطنبول. وقال إن »الحوار بين الشركاء يجب ألا يقتصر على المصالح المشتركة بل يجب أيضا أن يتناول موضوعات الخلاف«. وكان اوباما دعا بوش إلى موقف مماثل في حزيران الماضي.
محمد نور الدين- جريدة السفير 13.10.2008