“إنّ الراعي الحقيقي هو الذي يعرف كيف يودِّع كنيسته لأنّه يعرف جيّدًا أنّه ليس محور التاريخ بل رجل حرّ خدم بدون مساومات وبدون الاستيلاء على القطيع” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان.
تمحورت عظة الأب الأقدس حول القراءة الأولى التي تقدّمها لنا الليتورجية اليوم من سفر أعمال الرسل والتي يمكننا أن نعطيها عنوان – كما قال البابا – “وداع أسقف” لأنها تقدّم لنا بولس الذي يودّع كنيسة أفسس التي أسّسها والتي ينبغي عليه أن يتركها الآن. علينا جميعًا نحن الرعاة أن نعيش الوداع عندما تصل تلك اللحظة التي يقول لنا فيها الرب: اذهب إلى ذلك المكان… أو اذهب إلى هناك… وإحدى الخطوات التي ينبغي على الراعي أن يقوم بها هي الاستعداد كي يودِّع كنيسته بطريقة جيّدة لأنّ الراعي الذي لا يتعلّم كيف يودِّع كنيسته فذلك لأنّ ما يربطه بقطيعه ليس صالحًا وهي علاقة لم يطهّرها صليب يسوع.
تابع البابا فرنسيس يقول دعا بولس جميع كهنة أفسس إلى نوع من “المجلس الكهنوتي” ليودّعهم، وبالتالي يمكننا أن نجد ثلاثة مواقف يتحلّى بها الرسول: هو يؤكِّد أولاً أنّه لم ينسحب أبدًا وهذا ليس فعل كبرياء لأنّه يصف نفسه بأسوأ الخاطئين ولا يقول ذلك لمجرّد القول فقط وإنما يعرف ذلك جيّدًا. وإحدى الأمور التي تمنح الراعي السلام عندما يودِّع كنيسته هي أن يتذكر على الدوام أنّه لم يكن أبدًا راعي مساومات ويعرف أنَّه لم يساوم أبدًا في قيادته للكنيسة ولم ينسحب أبدًا عند الصعوبات وهذا الأمر يتطلّب شجاعة كبيرة.
ثانيًا أضاف الحبر الأعظم يقول بولس: “هاءَنذا اليَومَ ماضٍ إِلى أُورَشَليم أَسيرَ الرُّوح، لا أَدري ماذا يَحدُثُ لي فيها”؛ هو يطيع الروح القدس وبالتالي هو راع يعرف أنّه في مسيرة. لقد كان يقود الكنيسة بموقف من لا يقوم بمساومات والآن يطلب منه الروح القدس أن ينطلق في المسيرة بدون أن يعرف ما سيحدث له، فيذهب لأنّه لا يملك شيئًا ولم يستولِ على قطيعه بل كان يخدم. يريده الله أن يذهب؟ إنطلق بدون أن يعرف ما سيحدث له. كان يعرف فقط أَنَّ الرُّوحَ القُدُسَ كانَ يُؤَكِّدُ له في كُلِّ مَدينَةٍ، بِأَنَّ السَّلاسِلَ والشَّدائِدَ تَنتَظِره. لم يكن ذاهبًا ليرتاح وإنما ذهب ليخدم في مكان آخر، وقلبه مفتوح على صوت الله كمن يقول: أترك ما أنا فيه لأرى ما يطلبه الرب مني، وهكذا انطلق في المسيرة هذا الراعي الذي لم يكن لديه مساومات.
تابع الأب الأقدس يقول لم يستولِ بولس على القطيع وذلك لأنه لا يبالي حتى بحياته كما يقول “لا أُبالي بِحَياتي، ولا أَرى لها قيمةً عِندي؛ فحَسبي أَن أُتِمَّ شَوطي، وأُتِمَّ الخِدمَةَ الَّتي تَلَقَّيتُها مِنَ الرَّبِّ يسوع، أَي أَن أَشهَدَ لِبِشارةِ نِعمَةِ الله”، فهو يعرف أنّه ليس محور التاريخ بل مجرّد خادم وهناك مثل شعبي يقول: “يموت المرء كما يعيش” وبالتالي يمكننا القول أيضًا أن الإنسان يودّع كما يعيش وبولس قد ودَّع كنيسته بحريّة وبدون مساومات وفيما هو يسير، وهكذا يودِّع الراعي كنيسته.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول بهذا المثال الجميل لنرفع صلاتنا من أجل الرعاة، من أجل رعاتنا وكهنة رعايانا وأساقفتنا ومن أجل الأب الأقدس لكي تكون حياتهم بدون مساومات وتكون حياة مسيرة لا يعتبرون أنفسهم فيها محور التاريخ فيتعلّمون هكذا أن يودِّعوا كنائسهم. لنصلِّ من أجل رعاتنا!
اذاعة الفاتيكان