أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلَّ تعليمه الأسبوعي بالقول مع اقتراب عيد العنصرة لا يمكننا ألا نتكلّم عن العلاقة الموجودة بين الرجاء المسيحي والروح القدس. الروح القدس هو الهواء الذي يدفعنا إلى الأمام ويثبتنا في المسيرة ويجعلنا نشعر بأنّنا حجاجًا وغرباء ولا يسمح لنا أن نفتر ونصبح شعبًا “جامدًا وكسولاً”.
تابع الأب الأقدس يقول تُشبِّه الرسالة إلى العبرانيين الرجاء بالمرساة؛ ويمكننا أن نضيف إلى هذه الصورة صورة الشراع أيضًا. فإن كانت المرساة هي التي تعطي الأمان للمركب وتحفظه ثابتًا بين أمواج البحر فالشراع هو الذي يجعله يسير ويتقدَّم على المياه. الرجاء هو حقًّا كالشراع؛ هو يجمع هواء الروح القدس ويحوّله إلى قوّة محرّكة تدفع المركب، بحسب الحالات، نحو العرض أو نحو الشاطئ.
أضاف الحبر الأعظم يقول يختتم بولس الرسول رسالته إلى أهل روما بهذه الأمنية: إسمعوا جيّدًا هذه الأمنيّة الجميلة: “لِيَغمُرْكُم إِلهُ الرَّجاءِ بِالفَرَحِ والسَّلامِ في الإِيمان لِتَفيضَ نُفوسُكم رجاءً بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس!” (روما 15، 13). لنتأمَّل حول محتوى هذه الكلمة الجميلة. إنَّ العبارة “إله الرجاء” لا تعني فقط أن الله هو موضوع رجائنا، أي ذاك الذي نرجو أن نبلغه يومًا في الحياة الأبديّة؛ بل تعني أيضًا أن الله هو الذي منذ الآن يجعلنا نرجو أي أنّه يجعلنا “في الرَّجاءِ فَرِحين” (روما 12، 12): أي أن نكون منذ الآن في الرجاء فرحين. يقول أحد الأقوال الشعبيّة: “طالما هناك حياة، فهناك رجاء” والعكس صحيح أيضًا: طالما هناك رجاء فهناك حياة. يحتاج البشر للرجاء ليعيشوا وللروح القدس ليرجوا.
تابع البابا فرنسيس يقول يمنح القديس بولس الروح القدس – كما سمعنا – القدرة كي تفيض نفوسنا رجاءً؛ وهذا يعني ألا نيأس أبدًا وأن نرجو “على غَيرِ رَجاء” (روما 4، 18) أي أن نرجو أيضًا عندما يغيب كل دافع بشريٍّ للرجاء، كما كان الأمر بالنسبة لإبراهيم عندما طلب منه الله أن يضحّي بابنه الوحيد إسحق، وكما كان الأمر أيضًا بالنسبة للعذراء مريم تحت صليب يسوع.
أضاف الأب الأقدس يقول إنَّ الروح القدس يجعل ممكنًا هذا الرجاء الذي لا يُقهَر إذ يمنحنا الشهادة الداخليّة بأننا أبناء الله وورثته. كيف يمكن للَّذي أعطانا ابنه الوحيد ألا يَهَب لَنا معَه كُلَّ شَيء؟ “فالرَّجاءَ لا يُخَيِّبُ صاحِبَه،َ لأَنَّ مَحَبَّةَ اللّه أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا” (روما 5، 5). ولذلك فالرجاء لا يخيّب صاحبه لأنّ الروح القدس في داخله ويدفعه للسير إلى الأمام دائمًا. وبالتالي فالرجاء لا يخيّب!
تابع الحبر الأعظم يقول إن الروح القدس لا يجعلنا فقط قادرين على أن نرجو بل يجعلنا أيضًا زارعي رجاء، ويحوّلنا – على مثاله وبفضله – إلى مُعزّين ومدافعين عن الإخوة. علينا أن نكون زارعي رجاء؛ يمكن للمسيحي أن يزرع المرارة والشك ولكنّ هذا الأمر ليس مسيحيًّا وإن كنتَ تقوم بذلك فلستَ بمسيحيٍّ صالح. عليك أن تزرع الرجاء: إزرع زيت الرجاء وعبيره ولا خلّ المرارة واليأس. قال الطوباوي الكاردينال نيومان للمؤمنين في أحد خطاباته: “إذ نتعلّم من ألمنا ومن عذابنا لا بل من خطايانا ستكون عندها أذهاننا وقلوبنا متدرِّبة على كلِّ أعمال المحبّة تجاه المعوزين، وسنكون، على قدر إمكانيّتنا، معزّين على صورة البارقليط – أي الروح القدس – وبجميع المعاني التي تحملها هذه الكلمة: محامين ومساعدين وحاملي عزاء وتعزية وبالتالي ستكون عندها كلماتنا ونصائحنا وأسلوبنا في التصرّف وصوتنا ونظرتنا لطيفة ومهدِّئة”. إن الفقراء والمهمّشين وغير المحبوبين بشكل خاص هم الذين يحتاجون لشخص يكون “بارقليطًا” لهم أي معزِّيًا ومدافعًا عنهم، تمامًا كما هو الروح القدس معزِّيًا ومدافعًا بالنسبة لكل فرد منا. لذلك ينبغي علينا أن نكون معزّين ومدافعين عن المعوزين والمهمّشين والمتألّمين.
أضاف الأب الأقدس يقول إن الروح القدس يغذّي الرجاء ليس في قلب البشر وحسب وإنما داخل الخليقة أيضًا. يقول بولس الرسول أن الخليقة “تَنتَظِرُ بِفارِغِ الصَّبْرِ” التحرّر وتَئِنُّ إِلى اليَومِ مِن آلامِ المَخاض. إن الطاقة القادرة على تحريك العالم ليست قوّة مجهولة وعمياء بل هي عمل روح الله الذي كان يرفرف على المياه في بدء الخليقة. وهذا الأمر يدفعنا لاحترام الخليقة لأنّه لا يمكننا أن نفسد لوحة بدون أن نهين الفنان الذي رسمها.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول أيها الإخوة والأخوات ليجدنا عيد العنصرة – الذي هو عيد ميلاد الكنيسة – متّحدين في الصلاة مع مريم أم يسوع وأمنا. ولتجعلنا عطيّة الروح القدس نفيض في الرجاء، لا بل سأقول أكثر: لتجعلنا هذه العطيّة نبذّر في منح الرجاء مع جميع المعوزين والمهمّشين.
اذاعة الفاتيكان