الخاطئة
تشارلز كان وحيداً لأبيه المتوفي، ووريثاً لعمّه العازب. وقد قضى فترة طويلة من شبابه في هرج ومرج ونشوة، غير آبه بفكرة الزواج، إلى أن بلغ الثانية والثلاثين، والتقى «أرنستينا»، وهي شابّة صغيرة تحوم في سمائه كالفراشة متحفة بلازوردٍ من الألوان، فتفوز بإعجابه، ويقرّر خطبتها.
وفي بلدة «لايم» حيث تدور الأحداث، يلتقي تشارلز لأول مرة بسارة، الشاردة الذاهلة أبداً عن نفسها وهي ترمق البحر كلّ مساء بهيبة وحزن، والتي يطلق عليها أهل القرية لقب «امرأة الضابط الفرنسي»، أو الخاطئة، بعد أن أُشيع عنها بأنّها أغرمت بضابط فرنسي عندما كانت تعمل كمربية أطفال في أحد البيوت، وقد عثر عليه ربّ البيت غريقاً، وقام بإنقاذه، وعهد إليها أن تقوم برعايته حتى يشفى. وعندما يغادر الضابط الفرنسي، تقوم باللحاق به بعد أن وعدها بالزواج، إلا أنّه وحسب روايتها، يغرّر بها، ويسلب منها عذريتها ويرحل.
يخبو إحساس تشارلز رويداً رويداً تجاه خطيبته أرنستينا، وهو يتقرّب من سارة بحذر محاولاً إنقاذها من كآبتها وحسرتها، ويقرضها المال لترحل عن قرية «لايم»، التي ظلمتها ولاكَتها بألسنتها الحادة. وتقبل عرضه بالرحيل… ولكنّها تزوّده لاحقاً بعنوان إقامتها حتى يلحق بها وتراه من جديد.
يشتعل عشق تشارلز لها حتى يبلغ ذروته في لقاء جسدي بينهما، في الفندق حيث تقيم، ناسياً كل ما يتعلّق بخطيبته، مندفعاً بكيانه بين ذراعيها، ليكتشف أوّل خدعةٍ في كلامها معه. فقد تبيّن له أنّ سارة ما زالت عذراء، وأنّها كذبت حين قالت إنّ الضابط الفرنسي قد سلبها عذريتها.
يقرّر فوراً فسخ خطوبته من أرنستينا، على رغم الخنجر المؤلم الذي عرف مسبقاً بأنّه سيغمده في نحر عواطفها، خصوصاً بعد أن تقبّلت كونه لم يعد وريث عمّه الوحيد بعد أن تزوّج الأخير وأنجب، وظلت متشبّثة به وبحبه.
ونرى ما تكبّده من توقيعه على إقرار نصّه والد أرنستينا، يقرّ فيه أنّه ظلم ابنته وحطّم شعورها، وأنّ الحقّ برمّته يقع عليه في هذه المسألة، وأنّه لا يصلح أن يكون زوجاً صالحاً (كما كانت تقتضي العادات الفيكتورية عند فسخ عقد الخطوبة أو الزواج في حينه).
ثمّ يعود إلى سارة ليجدها قد رحلت عن الفندق الذي كانت تقيم فيه، فينهب الأرض بحثاً عنها، وينشر إعلاناً عنها لمن يجدها في الصحف، من غير جدوى.
ماسوشية البطلة
بعد مرور سنة قضاها مسافراً، منقّباً عن مباهج لا تبصرها عينه ولا يطالها فؤاده وهو شارد اللبّ في عشقه لحبيبته الغائبة الحاضرة، يبلّغه محاميه بأنّ أحدهم أرسل عنوان سارة في البريد. ويهرع قاطعاً المسافات إليها، حيث نراها تعمل سكرتيرة في بيت الرسام الشهير دانتي، ليجد بأنّها تغيّرت حتى باتت كتلة متجمّدة من المشاعر الجافة، ولوناً خاطفاً من ماضٍ بالكاد تذكّره.
ولم يلق ترحيباً ولا لهفة منها، فيدرك أنّه وقع ضحية مصيدتها التي حبكتها له، عندما جعلته يحبها، ويترك خطيبته من أجلها، لتقوم بالهرب والتنكيل بمشاعره. والأسوأ كان اكتشافه بأنّها أنجبت طفلة منه ولم تخبره بالأمر رغم ما تناهى لسمعها عن بحثه عنها وتركه لخطيبته منذ زمن طويل.
الكاتب هنا يلعب بنوستالجيا البطل، وبماسوشية البطلة التي تمارسها عليه، فيمزجهما معاً في أسلوب ليبرالي متقمّصاً العهد الفكتوري، تاركاً عنصر المفاجأة يتتالى بتواريخ الماضي والمستقبل، مستشهداً بأقوال شخصيات بارزة، مرّت في العصر القديم، ليبرز الفارق التاريخي والوعي العقلي، مستنداً قليلاً على التأويل الأخلاقي والانجذاب الجنسي المفروض على الذات البشرية، ليكون الغموض والصدمة سيّدي الموقف.
ولأنّ لكلّ سببٍ مسبّب، فالسرد المنساب الجميل يمكن أن ننسبه لخاطرة من الخواطر والأقوال التي دسّها الكاتب في روايته للشاعر الانكليزي تينيسون، يقول فيها: «في ومضة العينين الأكثر غموضاً… هناك سبب لابتسامةٍ غامضة».
• روائية وشاعرة