كيف ندمج التكنولوجيا في التعليم؟ إذا طرحنا هذا السؤال على الخبراء التربويين، فسيجيبون من دون تردّد: «هذه العملية لا تتم من خارج المنهج ومن دون محتوى رقمي»، ويحدثونك عن الرؤية والقيادة التي تؤمن بالتكنولوجيا وتحفز على استعمالها، وإذا سألنا السؤال نفسه للشركات التي تقدم الاستشارات والخدمات في المجال، فستدخلنا في نفق الأجهزة الحديثة أو التطبيق الخارق الذي يحتوي خصائص جديدة (غالباً لا يتمكن المعلمون بحكم وقتهم ومهاراتهم من استعمال عشر خصائصها)، أو المنصات الرقمية (PLATFORMS) التي تجمع العمليات التربوية والإدارية مع المعلمين والتلامذة والأهل والإدارة وغيرها.
أمّا إذا استشرنا معاهد تدريب المعلمين ومراكز الإعداد والتدريب المستمر والتنمية البشرية والمستدامة، فسنعثر على نظرات الاستغراب والتقريع ربما، «ما بدّا سؤال الاستثمار دائماً في الموارد البشريّة، لا دمج للتكنولوجيا في الصف أو المدرسة من دون كفايات لدى المعلمين والإداريين»، وإذا قررنا أن نتوجه إلى متخصّصي المعلوماتيّة (IT)، فلن نكمل سؤالنا حتى نجدهم قد بدأوا يجردون لنا أنواع الخوادم (SERVER) التي نحتاجها، فإن «لم يكن لديكم بنية تحتية صلبة فكل ما تقومون به سينهار»، ونكون محظوظين إذا لم يبدأوا بتركيب الشبكة (NETWORKS)، ويخيرونا بين التخزين السحابي والتخزين الأرضي! فيما نحن نناضل لنفهم مصطلحاتهم التي يرشقونها وكأنها بديهية.
أمّا اذا تعبنا من السؤال وتولينا عملية البحث بأنفسنا، فستطالعنا مصطلحات ومفاهيم عدة: التعليم المتمازج Blended learning، والتعليم المعكوس flipped classroom، والتعليم المتحرك mobile learning، والتعليم عن بعد distance learning والتعليم الإلكتروني e-learning. وسنمرّ على عالم المكتبات الرقمية e-library وعالم المختبرات الافتراضية virtual lab والمتاحف الرقمية التي تمكننا من التجول فيها من خلال نظارات العالم الافتراضي الثلاثي الأبعاد، وطبعاً سنعبر على الألعاب الرقميّة التعليميّة (gamification)، وألعاب الفيديو الثلاثية الأبعاد. ثم نغرق في عالم إنتاج المحتوى الرقمي وتقنياته من البرامج البسيطة Powerpoint وsmart chart وactivinspire إلى الكتاب الإلكتروني e-book أوflipped book، إلى المحتوى المتحرك على flash ولغات php و HTML5.
وإذا بحثنا عن الخطط الوطنية لوزارة التربية الخاصة بدمج التكنولوجيا، فسنقع على «الخطة الاستراتيجية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات للتعلّم والتعليم في العصر الرقمي» التي يصادف أنها تنتهي هذا العام (2012 -2017)، ولا داعي لشرح ما تحقّق منها، ولا سيّما مشروع تزويد التلامذة باللوحة الرقمية (tab) المقدّمة من شركة إنتل، حيث لا تلميذ في لبنان اليوم إلّا ويحمل هذه اللوحة مع قدرة ولوج إلى الشبكة، ومع مناهج رقميّة أنتجها المركز التربوي مواكباً الحدث؟! ولا داعي للمرور بمهزلة «المناهج التفاعليّة»، عندما اجتمع أساتذة من القطاعين الخاص والعام لأيام يناقشون ويجادلون من دون أن يعرفوا ما المقصود «بالمناهج التفاعليّة»، ولجان التأليف ما زالت متأهبة على «غروبات الواتس أب» حتى اللحظة تنتظر وصول التمويل لبدء العمل.
ماذا نفعل؟ هل نبحث في الواقع عن طريق واحد؟ هل ما ينجح في مدرسة يصلح للنجاح في مدرسة أخرى؟ هل من فروق بين المدارس الخاصة والرسمية، والخاصة في ما بينها والرسمية في ما بينها؟ هل نبدأ بالرؤية، أم بالتجربة ثم نبني عليها؟ هل نبدأ بالمنظومات المتكاملة، أم بمبادرات بسيطة يقوم بها المعلمون؟ هل نحتاج إلى استثمارات ضخمة، أم يمكن أن نجود من الموجود؟ هل نبدأ بالدمج في كل المجالات والمستويات دفعة واحدة أم بالتدريج، وكيف؟
كل من يعتبرون أنفسهم قد بدأوا، وربما قطعوا أشواطاً في هذا المجال، ندعوهم إلى أن يشاركونا تجاربهم، أين نجحوا وأين أخفقوا؟ ونرجو أن لا يفاجأوا بعد حين بأنهم سلكوا في مسار دائري وأنهم يعودون إلى بداية الطريق!
الأخبار