يحتاج البشر للتواصل في ما بينهم، وتزداد الوسائل تطوّراً وانتشاراً مع مرور الوقت، فلم تعد المسافات تمنع الناس من الحوار، إذ إنّ الرسائل والإتصالات تعبر حدود البلدان والقارات بسرعة البرق. لكنّ السيدة تانيا لا توافق على ذلك، فهي ترى بأنّ الهاتف المحمول، الذكي، يمنعها من تحقيق أهدافها، والطرف الآخر موجود على مسافة ضربة حجر منها.إلتقت تانيا الزعيم فلان، واتفقا معاً على إنهاء مشكلة تتعلّق بعقار مشترَك منذ سنوات طويلة، وقد كان الزعيم مسروراً وراضياً لما توصّلت إليه، وطلب منها الإتصال بمدير مكتبه للقيام بالإجراءات الروتينية، وهنا بدأت المشكلة.
فالمدير لا يجيب على اتصالاتها، هاتفه إمّا مغلق أو خارج الخدمة، أو مشغول باتصال آخر، أو أنه يقفل الخط متعمّداً. مديرنا هذا على المنوال نفسه منذ أكثر من شهر، وتحاول تانيا أن لا تشتكيه فربّما أذاه ذلك، لكن إلى متى؟ وهو لم يحاول ولو لمرة واحدة معاودة الإتصال بها، حتّى إنه ربما لا يعرف مَن المتصّل وماذا يريد.
هل لهذا الشخص الحق بعدم تلقّي الإتصالات؟ أفلا يؤثّر ذلك في أعمال رئيسه في العمل؟ وماذا عن آداب التواصل الهاتفي؟ وكم من الأشخاص يمارسون هذا الأسلوب في مجتمعنا؟ وكيف السبيل لحلّ الضغط النفسي الذي يتسبّب به الهاتف المحمول للمتصل والمتلقي؟
في الواقع، حال المدير المذكور هي حال الأكثرية ممَّن يحيطون بنا، ولربما نحن أنفسنا نسلك الطريق نفسه. الإنشغالات كثيرة، بالإضافة إلى متطلّبات الحياة التي لا تنتهي، والضغط النفسي المتعلّق باقتناء الهاتف المحمول، إذ يتنقل معنا ويرافقنا إلى أكثر الأماكن خصوصيّة، هو يبلغنا بالأهم والمهم، والأقل أهميّة من الأمور، وصولاً إلى التافه منها.
عندما لا يجيب الآخر على اتصالنا نشعر بالرفض والإهمال، كأنه لا يريد الحديث معنا، ما يقلّل من أهميّتنا، وأكثر من ذلك، هو يحجّمنا ويقلّل من احترامه لشخصنا. لذلك سوف نتناول وضعيّة المتصل والمتلقي، وما يترافق مع التواصل الهاتفي من مشاعر وأفكار وبالتالي تصرفات وردات فعل.
المتّصل
لديه دافع وسبب للإتصال، وفي حال عدم الرد:
• يشعر بالقلق والتوتر.
• يشعر بأنه مرفوض شخصياً وغير مرغوب به.
• يحسّ بالإهمال وقلة الإحترام.
• تنتابه العدوانية تجاه الشخص الذي لا يجيب على اتصالاته.
المتلقي
• هو صاحب القرار في الرد أو عدمه.
• يشعر بأنه ملاحَق من قبل الشخص المتصل.
• يُصاب بعصبية شديدة لأنه ربّما لا يملك الجواب.
• يُسيطر عليه الشعور بالذنب، إلّا أنه يستمرّ بعدم الرد.
• كلّما زادت محاولات المتصل كلما زاد شعوره بالضغط النفسي وصولاً للإحباط.
إذاً، غالباً ما يكون مَن نحاول التواصل معه منزعجاً أيضاً، ما يُسفر عن توتّر لدى الطرفين، وضغط نفسي.
أمّا أسباب عدم الرد فقد تكون الإنشغال الشديد، عدم الإهتمام، عدم القدرة على تلبية حاجة المتصل، وجود المتلقي في مكان عام، أو التهرّب ببساطة بسبب الملل من الإتصالات المتكرّرة، وهناك مَن يتّخذ عدم الرد طريقة خاصة به، والسيّئ في الموضوع أنّ الجميع يعرف ذلك.
إتيكيت
تجنّباً لتحويل الهاتف من أداة تُسهّل التواصل والعلاقات بين الناس، إلى سبب مباشر للضغط النفسي والتوتّر والقلق، إليكم بعض النصائح العملية:
• عندما تكون المبادر، لا تتصل قبل التاسعة صباحاً، وبعد التاسعة والنصف ليلاً كحدّ أقصى.
• لا تعاود الإتصال قبل مرور عشر دقائق على الأقل.
• لا تكرّر المحاولة لأكثر من ثلاث مرات.
• أرسل رسالة خطيّة تعتذر فيها عن محاولاتك المتكرّرة مرفقة بهدفك.
• لا تطل الشرح، فالآخر ربما لديه انشغالات أخرى.
• كمتلقي، ضع أولويّة بالنسبة لتلقي الإتصالات، أو إبعث رسالة قصيرة بأنك سوف تتصل في ما بعد.
• لا تنسى الإتصال لاحقاً والإعتذار عن التأخّر.
• كلّف شخصاً للرد على هاتفك، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالعمل.
• لا تتلهّى بالأمور الشخصية في وقت العمل.
• تذكّر بأنك أحياناً تكون أنت المتّصل، فأحسِن التصرّف.
نستعمل الهاتف لحاجات لا تنتهي، للعمل، للصحة، لتناقل المعلومات وحتّى لإيصال رسائل الحبّ والغرام. يعاني سليم من هاتفه الخلوي الذي يهدّد علاقته بخطيبته ريتا، «هي لا تتردّد في الإتصال بي طوال النهار، خصوصاً مع وسائل التواصل الإجتماعي المجاني، وإذا لم أتمكّن من الردّ مرة، اتّهمتني بعدم الإهتمام بها.
كما أنها تطالبني بالرسائل الخطية، على غرار ما يقوم به زوج صديقتها، باستمرار. وعندما يمنعني عملي من الإجابة، لا يتوقف الهاتف عن الرنين، وتتحجّج بأنها قلقة لأنني لم أردّ» يقول سليم.
إنّ غاية وجود الهاتف الجوال هي المساعدة على التواصل بشكل أفضل، إلّا أننا نحوّله إلى مصدر للإزعاج والقلق والضغط النفسي، وبذلك نكون قد حوّلنا الأمر المقصود به إيجاباً إلى سلبي.
كلّ منا بحاجة إلى إعادة النظر بما يخصّ علاقته بهاتفه، وطريقة استعماله، التي تحوّلت إلى شبه إدمان، خصوصاً أنّ هذه الوسيلة تمكّنت من رسم حواجز صمت بين أفراد العائلة الواحدة، فحتّى عندما يتواجد الأحباب معاً يكون الهاتف ثالثهما. إرموا هواتفكم جانباً في الأوقات المخصّصة للعائلة والأصدقاء، وتمتعوا بالمناسبات الخاصة، السعيدة.
ساسيليا ضومط
الجمهورية