بمناسبة المئويّة الأولى على صدور الرسالة الرسوليّة “Maximum illud” التي من خلالها أراد البابا بندكتس الخامس عشر أن يعطي دفعًا جديدًا لمسؤوليّة رسالة إعلان الإنجيل وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى الكاردينال فرناندو فيلوني عميد مجمع تبشير الشعوب كتب فيها عام 1919 في ختام نزاع عالميٍّ هائل شعر البابا بضرورة إعادة تأهيل الرسالة في العالم بشكل إنجيلي لكي تتنقّى من كل ترسبات استعماريّة وتبقى بعيدة عن أهداف التوسّع التي سببت العديد من الكوارث.
تابع البابا فرنسيس “إن كنيسة الله شاملة وليست غريبة لدى أي شعب” بهذه الكلمات حثَّ البابا بندكتس الخامس عشر على رفض جميع أشكال المصالح والربح لأنَّ هدف الرسالة هو فقط نشر بشارة الرب يسوع ومحبّته من خلال قداسة الحياة والأعمال الصالحة. هذا الأمر يجيب على دعوة يسوع الأزليّة: “اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين”. إن الطاعة لوصيّة الرب هذه ليست خيارًا بالنسبة للكنيسة بل هي واجبها كما يذكّرنا المجمع الفاتيكاني الثاني، بقدر ما هي رسوليّة بطبيعتها، إنَّ البشارة هي النعمة الموهوبة للكنيسة لا بل دعوتها الخاصة، وهويّتها الأعمق، الكنيسة موجودة من أجل البشارة؛ وبالتالي من الضروري – يؤكد المجمع الفاتيكاني – أن تسلُكَ الكنيسة، بدافعٍ من روح المسيح، الطريق عينها التي سلكها المسيح نفسُه، أي طريق الفقرِ، والطاعة، والخدمة، وبذل الذات حتى الموت فتنقل هكذا الرب مبدأُ هذه البشريةِ المتجددةِ ومثالُها، هذه البشرية المشبعة بالمحبة الأخوية، والإخلاص، وروح السلام، التي يتوقُ إليها الجميع.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن ما كان في قلب بندكتس السادس عشر لمائة سنة خلت وما كتبه المجمع الفاتيكاني الثاني يذكّرنا أن َّ هذا الأمر لا يزال آنيًا، لأنَّ الكنيسة التي أرسلها المسيح لتعلن لجميع البشر والشعوب وتنقل لهم محبّة الله، تعلم أنَّ مجال عملها الرسولي لا يزال واسعًا. وبهذا الشأن أكّد القديس يوحنا بولس الثاني أنّ رسالة المسيح الفادي التي اؤتمنت الكنيسة عليها ما زالت بعيدة جدًا عن اكتمالها. ومن خلال نظرة إجمالية إلى البشرية في نهاية الألف الثاني لمجيئه تَظهر الرسالة وكأنها لا تزال في بدايتها، وأن علينا أن نلتزم بكل قوانا في خدمتها.
تابع الأب الأقدس يقول في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” إذ جمعت ثمار الجمعيّة العامة العاديّة الثالثة عشرة لسينودس الأساقفة والتي عُقدت للتفكير حول البشارة الجديدة في سبيل نقل الإيمان المسيح، أردت أن أقدّم للكنيسة بأسرها إلحاح تلك الدعوة: “لقد دعانا يوحنا بولس الثاني إلى الإقرار بأنّه من الضروري أن يشدّنا تبشير البعيدين عن المسيح، لأنَّ تلك هي مهمّة الكنيسة الأولى. وبالتالي يشكّل النشاط الإرسالي، اليوم أيضًا أعظم تحدٍّ للكنيسة ويدب على القضيّة الإرساليّة أن تحتل المقام الأول. ماذا يمكن أن يحدث لو أخذنا هذه الكلمات على محمل الجدّ؟ سنعترف ببساطة أنَّ العمل الإرسالي هو المثال لكل مهمّة في الكنيسة” (فرح الإنجيل، 15).
أضاف الحبر الأعظم يقول أتمنى أن تعمل جميع الجماعات لكي تضع حيّز التنفيذ الأدوات الضروريّة للتقدّم في طريق تحوّل راعوي وإرسالي، لا يترك الأمور كما هي. لسنا بحاجة إلى “مجرَّد إدارة” ولذلك علينا أن ننتظم في كل أصقاع الأرض في حالة رسالة دائمة (فرح الإنجيل، 25)؛ لا نخافنَّ إذًا من المبادرة بثقة بالله وبشجاعة كبيرة في خيارًا إرساليًّا قادرًا على تحويل كلِّ شيء، كي تصبح العادات والأنماط والتوقيت واللغة وكل بنية كنسيّة، قناة ملائمة لتبشير عالم اليوم بالإنجيل أكثر من السعي لحمايته الذاتيّة. إن إصلاح البُنى، والذي يتطلّب ارتدادًا راعويًا، لا يمكن فهمه إلا بهذا المعنى: وبالتالي علينا أن نعمل كي تصبح جميعها مرسلة، وأن يصبح العمل الراعوي، بكل مقوماته، أكثر إشعاعًا وانفتاحًا وأن يكون العاملين الراعويّين على الدوام في موقف “انطلاق” يسهّل الجواب الإيجابي لجميع الذين يقدّم لهم يسوع صداقته. كما قال يوحنا بولس الثاني لأساقفة أستراليا: “على كل تجدد في الكنيسة أن يهدف إلى الرسالة لكي لا نقع ضحيّة نوع من التقوقع الكنسيّ (فرح الإنجيل، 27).
تابع البابا فرنسيس يقول لقد حثّت الرسالة الرسوليّة “Maximum illud” بروح نبويٍّ وصدق إنجيلي على الخروج من حدود الأوطان للشهادة لمشيئة الله الخلاصيّة من خلال رسالة الكنيسة الشاملة. وبالتالي ليكن الاقتراب من الاحتفال بالمئويّة الأولى دافعًا لتخطي التجربة السائدة للاختباء خلف كل تقوقع كنسي وإنغلاق مرجعيّة ذاتيّة في حدودنا الأمينة كي ننفتح على حداثة الإنجيل الفرحة. بهذه المشاعر وإذ أقبل اقتراح مجمع تبشير الشعوب أعلن شهر إرساليًّا إستثنائيًّا في شهر تشرين الأول أكتوبر لعام 2019 لكي يتم إيقاظ الوعي والإدراك بشكل أكبر حول الرسالة إلى الأمم ونعاود بدفع جديد التحول الإرسالي للحياة والعمل الراعوي.
وختم الأب الأقدس رسالته بالقول إليك أيها الأخ المكرّم وللمجمع الذي ترأسه وللأعمال الرسوليّة البابوية أكلُ مهمّة بدء الاستعدادات لهذا الحدث من خلال تحريك الكنائس الخاصة ومعاهد الحياة المكرّسة وجماعات الحياة الرسولية والمنظمات والحركات والجماعات الكنسيّة. وليكن الشهر الإرسالي الاستثنائي مناسبة نعمة خصبة لتعزيز مبادرات وتكثيف الصلوات وإعلان الإنجيل والتأملات البيبليّة واللاهوتيّة حول الرسالة وأعمال المحبّة المسيحيّة والأعمال الملموسة للتعاون والتضامن بين الكنائس فينبعث هكذا الحماس الإرسالي مجدّدًا.
إذاعة الفاتيكان