هو صوم يدوم أسبوعين يبدأ في الأول من شهر آب وينتهي في الخامس عشر منه بحسب الروزنامة الجديدة – وبحسب التقويم التقليدي (الروزنامة القديمة) من الرابع عشر من شهر آب إلى الثامن والعشرين منه – الذي هو عيد أو تذكار رقاد السيدة العذراء.
نحن المسيحيين لا نعبد العذراء ولا الملائكة ولا القديسين ولا البشر، نحن لا نعبد إلا الله لكننا نكرّم من أكرمهم الله ومن يستحق الإكرام لأننا ” ولاد أصل.” ومن يستحق الإكرام أكثر ممن جلبت لنا الحياة والكرامة والخلاص التي منها أخذ الكلمة جسداً ورضع لبناً وحباً والتي قال عنها الكتاب أن جميع الأجيال ستطوّبها؟
الله لم يستعمل العذراء لإتمام سر التجسد؛ الله لا يستعمل أحداً ، الله أعطى الحرية للجميع وهو يحترم خيارات الجميع ، والعذراء بحريّتها وقبولها صارت مشاركة في سر التجسد ولهذا فهي تستحق كل إكرام وتطويبٍ وعشق.
الله لا يحتاج أصواماً، نحن من نحتاجها. من يصوم يصوم لنفسه ولنموّه الروحي، من يصوم ويصلّي بعبادة حقة يتحوّل رويداً رويداً من مائت إلى حيٍّ ومن أرضي إلى سماويٍ ومن بشرٍ إلى إله بالنعمة. ليس هدف الصوم ضبط المعدة إلى حينٍ ثم إطلاق عنانها لتعوّض الضبط بشهوانية بل ضبط المعدة ومن خلال ذلك ضبط اللسان والأفكار والشهوات وبعد ذلك وفِي الصلاة تحلّ النعمة في حشا مبارك وهنا يبدأ التغيير ويبدأ التأله.
نصوم لأنفسنا……
من يذهب إلى النادي الرياضي ويتمرّن بأدق التفاصيل يتمرّن لنفسه وهو المستفيد الوحيد من الجهد الذي يبذله لاقتناء جسد صحي وجميل، هكذا في الحياة الروحية من يصوم ويصلي هو المستفيد المباشر من الجهد الروحي لا بل كل المحيطين به يستفيدون وحتى الخليقة لأن النعمة تشرق بحسب حجم شمس كلٍ منا.
أما لماذا نصوم صوم السيّدة وصوم الرسل وأصوام أخرى لتذكار القديسين بما أنهم بشر؟ لأننا نكرّمهم ونكرّم سلوكهم وأمانتهم للرب وأتعابهم وجهاداتهم من أجلنا. إن أعظم التكريم هو أن تشابه المكرَّم ففي ذلك تقول له أنا سأجاهد جهادك وأحاول أن أماثلك وأن أرضي الله كما أنت أرضيته فكن مثالي ومعيني وملهمي وصديقي في العالم وفِي الملكوت وأعنّي وصلّ من أجلي.
أما في صوم العذراء فالعيار يختلق فأنت هنا تتعامل مع من حلّ عليها الروح القدس وصار حشاها مسكناً للإله المتجسد وأمّاً له من جهة طبيعته البشرية، أنت تكرّم والدة الإله التي ستكرّمك كما كرّمت أهل عرس قانا الجليل بطلبها من إبنها أن يفتقدهم. أنت تقتنيها مثالاً يُحتذى في الطاعة لله والثقة بالله والمحبة لله وفِي إيلادك كلمة الله للعالم وحتى في الآلام حيث ستجوز سيوف في أحشائك وفِي قلبك لما يحدث للمسيح في العالم وفِي الكنيسة.
يا صديقي، نحن لسنا أفهم من جدّاتنا وأجدادنا وإن تعلّمنا أكثر ولبسنا أفضل واقتنينا السيارات الفخمة وأخذنا السلفي بإفراط. نحن من ينقصنا مثالاً إلهياً وقدوةً وصديقاً في السماء.
أجدادنا وجدّاتنا أكرموها بِعد أن عبدوا ابنها لأنهم رأوْا فيها كل ذلك لا بل رأوْا فيها أهم ما فيها وهو أن المسيح أعطاها لهم أمّاً بعد أن قال :” يا يوحنا هذه أمك”
إنه صوم السيّدة ، إحفظوه وأكرموه لتُكرّمكم من أكرمها الله أكثر من الشيروبيم.
الأب ثاوذورس داود