فرحت كاتدرائيّة القدّيس يوسف في أبو ظبي بزيارة بطريرك الموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الّذي ترأّس قدّاسًا فيها، ملقيًا عظته فقال فيها:
“ثلاث مناسبات تجمعنا اليوم، الأولى ليتورجيّة وهي الاحتفال بذكرى تقديم يسوع لله في الهيكل على يد سمعان الشّيخ الّذي تنبّأ عن الطّفل وقال رأت عيناي خلاصك، هذا الّذي أرسلته نورًا للأمم. والعيد الثّاني راعويّ، يتمثّل بزيارة قداسة البابا فرنسيس لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة، والمناسبة الثّالثة ثقافيّة، وهي المؤتمر العالميّ بعنوان الأخوّة الإنسانيّة من تنظيم دولة الإمارات. ويمكن أن نضيف مناسبة رابعة هي اللّقاء بكم، وهذا عيد كبير بالنّسبة إلينا.
معكم نوجّه تحيّة كبيرة لسموّ الشّيخ زايد آل النّهيان ولسموّ ولي العهد الشّيخ محمّد بن زايد، ونهنّئهم بأمرين، الأوّل إعداد هذا المؤتمر الّذي هو حاجة في عالم اليوم، فيتذكّر النّاس على اختلاف أديانهم وعرقهم وحضاراتهم أنّهم إخوة وأخوات لأب واحد وخالق واحد هو الله. ونهنّئ الدّولة على إنجاز كبير تمثّل بدعوة قداسة البابا فرنسيس للزّيارة الرّسوليّة لمناسبة هذا المؤتمر ولقائه شيخ الأزهر الدّكتور أحمد الطّيّب، وهما رمزان كبيران يدلّان البشريّة جمعاء على أنّ المسيحيّة والإسلام مدعوّان لشهادة هذا العيش معًا، بروح الأخوّة وتحرير كلّ دين من أيّ تأثير سياسيّ أو إرهابيّ أو أصوليّ يشوّه وجههما ويستغلّهما من أجل حروب وكراهيّة في هذا العالم. وفي المناسبة، نحيّي كلّ من يحيي الحياة الرّاعويّة هنا، من الزّائر الرّسوليّ إلى كاهن الرّعيّة وصولاً إلى الآباء والمؤمنين الّذين أتوا من كلّ دول الخليج وسواها للمشاركة.
من خلال هذه المناسبات الثّلاث الكبرى، ومنها اللّيتورجيّة، نتذكّر أنّنا قدّمنا لله يوم معموديّتنا، ويوم مسحنا بالميرون يومها ولدنا أبناء وبنات لله من الماء والرّوح ومسكنًا بالرّوح القدس بمسحة المسيح، فدعينا مسيحيّين لكي نشهد ليسوع المسيح بحياتنا الوطنيّة والاجتماعيّة. مع كلّ إنسان نجدّد اليوم تكريسنا لله في المعموديّة، ونجدّد مواعيد المعموديّة، أيّ بنوّتنا لله وأخوّتنا لبعضنا البعض ولكلّ إنسان، ونهيّئ نفوسنا مجدّدًا للكلمة الإلهيّة بنعمة الأسرار أن نبقى هياكل للرّوح القدس وتظهر مسحة الرّوح في أعمالنا وأقوالنا وأفعالنا.
المناسبة الثّانية هي زيارة قداسة البابا الّذي حمل شعار “يا ربّ اجعلني أداة لسلامك”، وهي صلاة للقدّيس فرنسيس الآسيزيّ الّذي اختار قداسته اسمه يأتي إلى هنا لكي يكون أداة سلام ويدعونا لأن نكون أداة سلام. فالرّبّ يسوع في إنجيل التّطويبات يربط بنوّة كلّ إنسان بالله من خلال ما يصنع من سلام، إذ قال طوبى لفاعلي السّلام هؤلاء أبناء وبنات الله يدعون. نحن نكون أبناء وبنات لله بمقدار ما نكون صانعي سلام في العائلة والمجتمع والدّولة. وهذه قيمة الإنسان، أن يكون صانع سلام. فلا يوجد أجمل من هذا لأنّه من طبيعة الإنسان أن يكون مسالمًا، ولذلك خلقنا على صورة الله لنكون جماعة سلام. فلقاء قداسة البابا مع شيخ الأزهر يعني هذا الالتزام المسيحيّ الإسلاميّ بعيش تحدّي معنى الأخوّة ووضع نقطة نهائيّة لكلّ استغلال للدّين من أجل الحروب والنّزاعات والكراهيّة والحقد، وهذا عيد كبير لأنّ العالم بأمسّ الحاجة ليعيش المشاعر الإنسانيّة. يكفي أن ننظر إلى ما يصنعه أسياد الحروب وكيف يخطّطون للحروب وينتهكون سيادة الدّول ويهدمون من خلال أسلحتهم ويهجّرون الشّعوب الآمنة في كلّ مكان وزمان.
هنا نفكّر في الفلسطينيّين والسّوريّين والعراقيّين واليمنيّين وسواهم. كلّ الملايين الّتي تهجّر على أبواب العالم والدّول وتعيش تحت الخيم، هؤلاء بالنّسبة إلى الكبار ليسوا كائنات بشريّة، لا يعنيهم أمرهم كيف يعيشون وكيف يأكلون. لقد ماتت الإنسانيّة في قلب الإنسان. يسوع المسيح صار إنسانًا ليعلم كيف يكون الإنسان إنسانًا، علّمنا كيف هو أحبّ بقلب إنسان، فبإرادة إنسان لم يصنع إلّا كلّ الخير. وبعقل إنسان لم يفكّر إلّا بالحقيقة، وبيد إنسان لم يصنع إلّا العطاء والبركة. نحن مدعوّون في مؤتمر الأخوّة الإنسانيّة إلى أن نجدّد معًا أخوّتنا بعضنا لبعض، والّتي تعني بنوّتنا لله”.
نور نيوز