إعداد د. إيلي مخول
يجري الحديث في الآونة الأخيرة عن مشروع طريق الحرير الجديد أطلقه الرئيس الصيني تحت تسمية – مبادرة الحزام والطريق – يهدف، كما الآصلي منذ قرون، الى ربط الصين بالقارة الأوروبية. ويشمل في ما يشمل حزمة من مشاريع بنية تحتية تموّلها الصين في أرجائه. وقد لقي ترحيبا في ايطاليا كونه يتمثّل في زيادة استثمارات البلد الآسيوي وتسريع وصول المنتجات الى الآسواق العالمية، الاّ ان هذا الموقف استقبل بانتقادات شديدة من قبل حلفائها الغربيين الذين رأوا فيه أكبر خطر على حركة التجارة العالمية. لكن كيف كانت تجري الأمور على طريق الحرير التاريخي؟
هل ثمة من يذكر السّجستانيين اليوم؟ انهم قوم عاش في أسيا الوسطى وسيطر على درب الحرير، حيث قامت تجارة اشبه بالأسطورة بين الصين والغرب، ضمنت لفترة طويلة ازدهار المنطقة.
لم تنطلق عبارة “طريق الحرير” من ريشة تجار رومانيين او الرحالة ماركو بولو، كما يميل البعض الى الاعتقاد، انما هي ابتكار حديث العهد طرحه عام 1877 الجغرافي الالماني فرديناند فون ريشتهوفن Ferdinand von Richthofen. فلا الصينيون ولا تجار سمرقند او البندقية خطر في بالهم ان يصفوا تجّارهم على هذا النحو. لكن تلك الصورة المتمثلة بخيط حرير طويل ممتدّ من الصين الى الغرب عبر آسيا الوسطى تألقت على مستوى العالم واثارت البحث عن التواصل مع الشرق.
ورغم ذلك باتت العبارة بعد مرور اقل من ثلاثين سنة على اطلاقها قديمة من الناحية العلمية. ففي مطلع القرن العشرين، قام الانكليز والفرنسيون واليابانيون والالمان والروس، مستفيدين من انهيار الامبراطورية الصينية، بإرسال بعثات علمية عديدة باتجاه آسيا الوسطى الصينية اضفت الى نتائج مذهلة. فقد خرجت من الظل حضارات ولغات كانت مجهولة حتى ذلك الحين.
بفضل تلك الاكتشافات الجديدة لم تعد معالجة روابط الصين مع الغرب، قلب فكرة “طريق الحرير”، هي المسألة الملحة، انما الإنكباب على آلاف الاشياء والمخطوطات الجديدة.
بعد الحرب العالمية الثانية اعطى الاتحاد السوفياتي والصين علم الآثار، لأسباب ايديولوجية، اولوية واعتمادات مالية. وجاءت النتائج، مرة اخرى، بمستوى الآمال: فقد جرى تنقيب مدن بكاملها، وأخرجت من الارض عشرات آلاف النصوص.
بناء على اكتشافات حديثة، امكن اعادة تركيب تاريخ الشبكات التجارية عبر آسيا، المختصرة في عبارة “طريق الحرير”. نذكر في الطليعة هنود وبكترياويون (شمال افغانستان)، يليهم ابتداء من القرن الرابع سجستانيون انعشوا تلك التجارة البرّية. وقد تمكّن هؤلاء الناطقون بلغة ايرانية من احتلال مناصب رفيعة في الصين وامبراطورية منغوليا العليا التركية. الاّ ان آثار حضارتهم اضمحلّت اعتبارا من القرن الثامن. رغم ذلك بقيت تلك النتائج مجهولة من قبل الباحثين الغربيين حتى ثمانينيات القرن الماضي. أخيرا ومع سقوط الاتحاد السوفياتي وانفتاح الصين، بدأت ثورة صامتة بالتحرك: فمنذ ثلاثة عقود أخذت الاكتشافات الجديدة والوثائق القديمة تتداخل بعضها ببعض. هل ثمة من يدري ان سمرقند أو مدينة دانهوانغ الصينية كانتا معروفتين عامي 720 و900 أكثر من باريس ولندن في الفترة عينها؟
وتستمر أعمال التنقيب في آسيا الوسطى، وهي في الغالب فرنسية وتؤتي حصّتها من اكتشافات مثيرة. وبعد أن تركت فكرة “طريق الحرير” جانبا رغم تطوّر البحث أعيد احياؤها الآن من جديد. وبدلا من تركيز الاهتمام على طرفي السلسلة، وهما الصين والغرب، وعلى قوافل الجمال الرومنسية بينهما، يمكننا بفضل هذا التوثيق الجديد التحقّق بدقة من الفئات الاجتماعية والعوامل الاقتصادية والأنماط التي سادت قيام روابط تجارية على نطاق واسع.
وتساعد البجوث في مراجعة بعض الأفكار. فقد ساد اعقاد خاطئ، بالنسبة الى العصور القديمة بأن التجّار الرومانيين والصنيين كانوا في أصل نشوء ونموّ تجارة بين هذين القطبين. الواقع أن كل شيء قد بدأ عندما أخذت الصين في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد ترسل سفراء محمّلين بلفائف الحرير بهدف استمالة نبلاء آسيا الوسطى وايران الرحّل لتتمكن من التصدّي لبدو آخرين يعيثون في مقاطعاتها الشمالية فسادا.
التقاء عالمين لم يعرفا بعضهما بعضا
أهمية تلك المبادرات لا سابق لها، حيث جرى اتصال بين عالمين يجهلان بعضهما بعضا. ولا يمكن سوى لدولة ان تخترق المسافات. فنحن هنا بعيدون جدا عن المفهوم التقليدي لطريق الحرير، ذلك ان المبادرة دولية ودبلوماسية وليست تجارية.
واذا كانت الدبلوماسية الصينية فشلت في عقد التحالفات المرجوة، فإن تجار بكتريا والهند الشمالية الغربية ادركوا مدى الافادة من ذلك الحرير الذي يصلهم. فالتزموا بإعادة تصديره سالكين على وجه الخصوص طريق الصين. فقصدوا بصفة سفراء مصدر المنتَج الثمين كيلا يبقوا رهن تزوّد خاضع لمخاطر السياسة.
وهكذا اقامت “مستعمرات” من التجار الهنود والبكترياويين على طول الطرق التي تلتف حول جبال الهملايا من الشمال.أما في شانغان، العاصمة الصينية، فقد هب البلاط وكبار النبلاء لخدمتهم بغية الحصول على منافع الغرب الغريبة جدا (جياد من تركمانيا الحالية، لازورد من بامير الخ). وكانت النتيجة الرئيسة انتشار وتأصل البوذية في الصين. وباتت لغات اولئك التجار منذ ذلك الحين محكية في كل آسيا القارية الخاضعة لنفوذ هندي قوي.
تتناول الدراسات التقليدية حول طريق الحرير التأثير البالغ الذي تركته تلك التجارة الضخمة على اقتصاد الامبراطورية الرومانية وتتساءل مطولا عن مشاركة التجار اليونانيين فيها. الا انها تنسى المسألة الجوهرية، ألا وهي دور الهند الشمالية وسكانها الاغنياء واللبقين. فقد فرضت الهند وآسيا الوسطى نفسيهما باعتبارهما المركز الاقتصادي والسياسي والثقافي لجزء كبير من العالم، الذي كان معروفا آنذاك بعد ان كانتا متّحدتين خلال الثلاثة قرون الاولى للميلاد في امبراطورية كوشان العظيمة ( التي ضمت بين القرنين الاول والثالث المناطق الحالية من افغانستان وطاجكستان وباكستان وشمال الهند). واعتبارا من القرن الرابع الى الثامن ميلادي ظهرت مجموعة جديدة في المصادر سواء البعيدة او الاسيوية الوسطى هي مجموعة تجار منطقة سمرقند: سجستان.
لقد ظلت سجستان والسكان غير المهاجرين الناطقون باللغة الايرانية مجهولين من الجمهور العريض، مع ان سمرقند وبوخارى وطشقند هي مدن سجستانية طمست هويتها الثقافية قبل انتهاء الالف الاول.
بين القرن الرابع والثامن امتدت سجستان من نهر امودريا في الجنوب حتى سفوح تينشان في الشمال. وينحدر من سكانها جزئيا الطاجكيون الحاليون. وبفضل المصادر الصينية والبيزنطية او العربية يمكن رسم مصير اولئك السكان الذين صنعوا ثروة المنطقة التي كان تجارها القيمين الاساسيين على درب الحرير.
تعتبر الشبكة التجارية السجستانية بالتأكيد الاكثر تطورا في تلك الحقبة. اذ يمكن تتبع أثر اولئك التجار من اوكرانيا حتى ايران ومن منغوليا العليا حتى الصين، مع ان سجستان لم تكن قبل الميلاد بقليل سوى ارض واحات غنية عاش فيها السكان من الزراعات المروية والمبادلات على مستوى متواضع مع القبائل الرّحّل. وقد بانت بمثابة ابنة عم ريفية للحضارات المتألقة التي ازدهرت جنوبا في ايران او داخل الامبراطورية الكوشانية سواء في بكتريا او في الهند الشمالية.
بيد ان السجستانيين سوف يسيرون على خطى التجار الكوشانيين الاقوياء ويصبحون تلامذتهم. فلا عجب ان يكون جزء من المفردات التجارية السجستانية من اصل بكترياوي.
برعوا في التجارة وعشقوا الربح
في مطلع القرن الرابع كانت الشبكة السجستانية تمتد من العاصمتين الصينيتين لويانغ وشنغان الى سمرقند. تشهد على ذلك الوثائق التي تم العثور عليها عام 1907 في برج حراسة صيني مدمّر في صحراء تاكلا- ما كان على يد المستكشف البريطاني الكبير اوريل سين. ويتعلق الامر بطرد بريدي ارسله عام 313 الى الغرب تجار سجستانيون مقيمون على طول طريق غانسو التي تربط الصين بآسيا الوسطى. فيه يتبادل التجار طلبات، يتحدثون عن منتجات تجب استعادتها وديون ينبغي تسديدها؛ امرأة تشتم زوجها لانه تركها في دونهوانغ بلا اخبار ولا مال منذ ثلاث سنوات؛ قائد قافلة يشكو بسبب تعرضه لسرقة؛ آخر يتحدث عن خيبات زميل له مع الشرطة الصينية. اما الاكثر غرابة فيكمن بلا شك في الرسالة الاخرى من هذا الطرد والتي ما زال مظروفها موجودا. وهي مرسلة الى سمرقند، وتضم نوعا من تقرير حول نشاط تجار سجستانيين في الصين الداخلية يعملون في خدمة مرسل المكتوب. وهذا ما يظهر وجود شبكة تجارية حقيقية، وليس فقط مجموعة بائعين جوالين صغار، ممتدة من سمرقند حتى الحواضر الصينية.
في أواسط القرن الرابع، انقضّت جحافل من اقوام الهون الرحل قادمين من منغوليا وسيبيريا على آسيا الوسطى، بينما تابعت عشائر اخرى باتجاه اوروبا. فاحتلوا سجستان بسهولة، الا انهم اصطدموا بمقاومة عنيفة في بكتريا. وغيّرت الغزوات الهونية جذريا التاريخ الاقتصادي لتلك المناطق. فقد دمّرت بكتريا ثم الهند الشمالية بفعل سلسلة متوالية من الحملات والهجمات المعاكسة. اما سجستان التي عرفت التراجع فقد فرضت نفسها، اعتبارا من القرن الخامس، باعتبارها المركز الرئيس للتعمير والثروات في آسيا الوسطى. وباتت تسيطر على تجارة القوافل.
يظهر ذلك جليا في بقايا سجل جمركي خاص بقوافل طُرفان. وهذه الوثيقة جزء من 27000 نبذة وجدها علماء آثار صينيون في جبّانة المدينة.
يعود تاريخ ذلك السجل الى عام 630. وهو يفصح عن 35 عملية تجارية قوامها اصناف كمالية احضرتها القوافل الى طُرفان وفرضت عليها سلطات المدينة رسوما. من بين المنتجات المباعة: عقاقير طبية، نحاس اصفر، خيوط حرير، عطور، ملح النشادر، ذهب، فضة، الخ. وقد شارك السجستانيون في 29 من تلك العمليات رغم انهم قادمون من وراء الصحارى والجبال.
هذه الشهادة ليست الوحيدة، فبنظر جميع من عاصروهم اعتبر السجستانيون اكبر تجار زمانهم. وجاء في سجلات سلالة تانغ الصينية الحاكمة اواسط القرن السابع:” السجستانيون بارعون في التجارة ويعشقون الربح؛ حين يبلغ رجل منهم العشرين من العمر فانه يمضي الى الممالك المجاورة؛ وقد ذهبوا حيث الربح ممكن.” وسجل الجغرافي الارميني حنانيا الشيراكي في الفترة نفسها:” السجستانيون هم تجار اثرياء ومقدامون.” وبعد قرن ونصف كانوا يرددون في احد قصور بغداد: السجستانيون؟ انهم تجار وحسب!”
بداية، في القرنين الرابع والخامس، لم يفعل التجار السجستانيون سوى ان حلّوا في محلّ اسلافهم الكوشانيين. وكانت طريق الصين- الهند لا تزال هي المهيمنة. هذا ما يؤكده اكتشاف تم قبل خمس وثلاثين سنة لمناسبة شق طريق استراتيجي بين الصين وباكستان، هو عبارة عن مئات من النقوش الاثرية قامت بها القوافل السجستانية على طول الممرات الجبلية العالية، التي تفصل بين الهند وآسيا الوسطى والتي كانت تسلكها حُكما جميع القوافل.
الامور تغيّرت في القرن السادس مع نشوء قوة سياسية جديدة هي الامبراطورية التركية لمنغوليا العليا. فتراخت العلاقات مع الهند. وأخذت الروابط مع الهند من جهة والبراري التركية من جهة اخرى، تسود في زمن العصر الكبير للتجارة السجستانية من القرن السادس الى الثامن. حتى ان السجستانيين أعطوا الأتراك طلائع دبلوماسييهم وأولى لغة ديوانهم القنصلي (السجستانية) وديانتهم الاولى (البوذية). من جهة اخرى، نقل الأتراك الى المغول والمانشوريين الابجدية السجستانية (المشتقة كالعربية والسريانية من تلك المستخدمة في الأمبراطورية الاخمينية – التي امتدت الى بلاد اليونان الآسيوية والساحل الفينيقي وفلسطين ومصر – بين القرنين السادس والرابع. ق.م)، والتي ما زالوا يعتمدونها. شملت التجارة السجستانية، تحت حماية الامبراطوريات التركية المتعاقبة، كل البراري الأوراسية. وهكذا سيطر التجار السجستانيون في القرم الواقعة الى الشمال من الحدود البيزنطية، على مرفأ انشئ في القرن السابع ويحمل اسمهم الى اليوم، يمرّ فيه جزء من تموين الأمبراطورية البيزنطية بمنتجات الشرق الاقصى. وقد وجدت فيه اختام مستودع القسطنطينية الامبراطوري.
وفي جبال الاورال، بادل السجستانيون أطباقا فضّية مصنوعة في آسيا الوسطى او ايران بفراء ثمين وكهرمان من البلطيق. تلك الاواني التي هي اليوم مفخرة متحف الارميتاج في مدينة سان بيترسبورغ الروسية تحمل نقوشا سجستانية ثمينة.
في اوروبا الغربية مرّ جزء من الانسجة باهظة الثمن التي استعملت قبل العام 1000 في لفّ ذخائر القديسين بأيدي السجستانيين. احد تلك الاقمشة المحتفظ به في كنيسة نوتردام دي هو في بلجيكا ما زال يحمل المذكرة القصيرة التي كتبها بسرعة في احدى زواياها، التاجر البوخاري الذي باعها…
في الصين، أعطى تواجد مجموعات من التجار السجستانيين لفترة طويلة تشريعا ومكانة خاصة بين القرن السادس والنصف الاول من الثامن. فقد لعبوا دور مموّن النخب التقليدي بمنتجات غريبة مثمّنة. بل اكثر وأهم: فحين هزمت الصين الأتراك واستولت على آسيا الوسطى بين 640 و755، اصبحوا بلا منازع متعهدي الجيوش والموظفين الصينيين المبعدين الى الغرب.
وهكذا بات السجستانيون رموزا اعتاد عليها سكان المدن الصينية الكبرى. وهنالك تماثيل صغيرة عديدة ترقى الى سلالة تانغ الحاكمة تظهرهم بلحيتهم الكبيرة وأنفهم الطويل وعيونهم الجاحظة، وهي صورة تختلف تماما عن تلك الرقيقة جدا التي كانوا يعطونها عن ذواتهم في الرسوم التي زينت قصورهم وكشفت عنها الحفريات الأثرية السوفياتية! يظهر اكتشاف اخير لمقاعد حجرية مأتمية فخمة كان السجستانيون يلقون عليها موتاهم في القبور، كيف توطدت في الصين ايضا طبقة من الأغنياء الجدد السجستانيين. وكانت تطلى بالذهب والالوان وتنحت احيانا في المرمر المالس مكونة شواهد لا مثيل لها على الحياة الدولية لاولئك التجار متعددي اللغات.
ولئن كنا نستطيع تحليل تاريخ شبكاتهم التجارية على نطاق واسع، غير اننا نفتقر الى معلومات تفصيلية عن حياتهم اليومية وأسفارهم وحساباتهم وطبائعهم: فقد فقدت الوثائق السجستانية برمتها تقريبا في سجستان التي فتكت بها تربة خصبة إنما حامضة تتلف المواد العضوية.
المسلمون والاتراك يخلفون السجستانيين
هنالك شبكتان اقليميتان حلتا في محل الشبكة السجستانية في القرنين التاسع والعاشر: احداهما اسلامية ربطت، عن طريق آسيا الوسطى، ايران بالامارات الروسية الأولى وبتجار الفايكينغ؛ والاخرى تحت سيطرة اتراك الويغور والمانشيين وبخاصة البوذيين، اجتذبت البضائع من شرق آسيا الوسطى وبعض مناطق شمال شرق الصين. تشهد على الشبكة الأولى مئات آلاف القطع النقديّة التي ضربت في بوخارى او سمرقند من قبل أمراء الأسرة السمنانية المالكة (وهي سلالة ايرانية حاكمة اهتدت الى الإسلام) ووجدت في روسيا ومنطقة البلطيق وصولا الى ايسلندا؛ وتؤكد على الثانية آلاف النصوص الصينية والتركية والتيبيتية التي عثر عليها في مغارة دونهوانغ الصينية مطلع القرن التاسع عشر. الأولى قامت على تجارة الرقيق والفراء والعسل والكهربان؛ والثانية مرّرت الخيل والمسك والحرير.
في القرن العاشر، لم يعد هناك وجود لطريق الحرير البرية. فقد زالت لصالح الطرق البحرية. وتوقفت الشبكتان عن التواصل. فغاب الخزف الصيني عن سمرقند رغم حضوره بوفرة في مواقع الموانئ الاسلامية؛ بالمقابل اضحت القطع النقدية التي سكّها أمراء بوخارى مجهولة تماما في الصين. وحدها إعادة توحيد البراري على يد المغول في القرن الثالث عشر سوف تضفي الى تجديد فعلي للتجارة بين الشرق والغرب عن طريق آسيا الوسطى. لكن الحرير الذي بات يصنع في كل أوراسيا لم تعد له القيمة عينها. وأصبحت من الماضي الأيام الكبرى لطريق الحرير.