يسأل كثير من الأطفال الصغار الذين لم يتجاوزوا الـ8 سنوات عن «بابا نويل» ومكان مسكنه، وطريقة زيارته للأطفال. ويفسّر الأهل أنّ «بابا نويل» أو «سانتا كلوز» هو شخص يعيش في البلاد الباردة في القطب، حيث يعمل كل أيام السنة في مصنعه، لكي يحضّر جميع هدايا الأطفال الذين يراسلونه من كل أقطار العالم ويساعده عدد كبير من الأقزام لصناعة هذه الهدايا… كما لديه حيوانات الرنة وعربة خشبية تساعد «بابا نويل» في التنقل من بلد إلى بلد من خلال الطيران.
وخلال ليلة عيد الميلاد، يمرّ هذا الرجل على جميع الأطفال ويعطيهم الألعاب التي تمنونها. وكما يتخيّل الأطفال، يهبط بابا نويل من مداخن مدافئ المنازل أو من النوافذ المفتوحة. ولكن هذه القصة لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام عند الكثير من الأطفال حيث يشككون في مصداقيتها. ويحتار الاهل هل يخبرون أطفالهم عن حقيقة «بابا نويل» ويكسرون سحر العيد؟ أم يستمرون بعدم قول الحقيقة حول قضية هذا الرجل السمين الذي يحقق جميع أمنيات الأطفال؟
«بابا نويل» شخصية عالمية
من الشخصيات المهمة والتي ترافق أي طفل خلال مرحلة طفولته هي شخصية «بابا نويل». فجميع الأطفال على حد سواء ينتظرون كل سنة مجيء «بابا نويل». ويتميّز الطفل بمخيلة خصبة ما جعلت من «بابا نويل» شخصية حقيقية كأي شخص عادي، يعيش ويتنفس ويحضر الهدايا ويقدّمها للأطفال، حتى أصبحت هذه الشخصية موجودة أينما كان خلال عيد الميلاد، حيث تمّ صناعة الأفلام حولها وتأليف الأغاني والرسوم المتحركة والديكور… وغيرها من الأمور التي جميعها أدخلت «بابا نويل» ضمن شكلها الخارجي.
ولا يمكن نكران أنّ لباس الأحمر لسانتا كلوز ولحيته البيضاء وكيس الهدايا هي مصدر بهجة وسرور في نفوس جميع الأطفال. كما أنّ زيارة بابا نويل في الليل ودخوله من مدفئة البيت أو إحدى نوافذه ووضع الهدايا العديدة بقرب شجرة العيد، تندرج كلها ضمن إطار سحر الجو وسحر مخيلة الطفل الذي عادة ينجذب إليها. ولكن خلف تلك الشخصية، قديس، هو نيكولاس الذي عاش في القرن الخامس الميلادي وكان يقوم بتوزيع الهدايا أثناء الليل للفقراء ولعائلات المحتاجين. ولكن لِمَ يحب جميع الأطفال الذين لم يتجاوزوا الـ8 سنوات «بابا نويل» وينجذبون لهذه الشخصية؟
الجواب لهذا السؤال بسيط جداً. «بابا نويل» يأخذ صورة الأب أو الجد الحنون المعطاء الذي يحب أن يقدّم للآخرين كل ما عنده. كما يظهر سانتا كلوز أنّه شخص قريب من القلب، ويحب جميع الأطفال بسبب صورته الخارجية التي تعكس الحاجة الداخلية عند الطفل وأهمها العاطفة. فهو شخص مليء بالعاطفة والحنان والحب للأطفال وخصوصاً أنّه يحقق لهم أمنياتهم. كل ذلك جعل منه شخصاً محبوباً جداً.
مشاركة العيد مع الآخرين
ولكن، هل على الأهل أن يخبروا أطفالهم عن حقيقة «بابا نويل»؟
لا يجب أن نكسر «سحر العيد» خصوصاً عند الأطفال الذين ما زالوا بعمر يصدّقون قصة «بابا نويل» ومصنعه ورنّاته وزياراته للأطفال. فخلال عمر السنتين حتى 7 سنوات، يصدّق الطفل هذه الأحاديث، بل يحبها أيضاً ويعتبر أنّ «بابا نويل» شخص حقيقي ويتمنى أن يراه ويقضي معه الوقت. ولكن كلما تقدّم الطفل بالعمر، كلما أصبح يشك بمصداقية القصة ويسأل نفسه أسئلة حول هذه الشخصية التي يدور حولها الكثير من الأخبار التي لا يمكن أن تُصدَّق، كالطيران في السماء، أو التنقّل من بلد إلى آخر في ليلة واحدة، وغيرها من المفاهيم المتعلقة بالزمان وبالمكان، والتي لا يمكن تفسيرها من خلال المنطق. لذا بعد عمر الـ7 سنوات، يمكن للأهل أن يفسّروا للطفل حقيقة «بابا نويل» ولكن بطريقة بسيطة وغير معقّدة. فعندما يصبح الطفل في عمر يمكن أن يميّز فيه بين ما هو خيالي وما هو حقيقي، يجب إخباره عن حقيقة بابا نويل وأنّه شخصية غير حقيقية. فيمكن تفسير للطفل الذي أصبح أكثر نضجاً الآتي: «لا يمكن لرجل أن يطير مع عربته ورناته وأن يوزّع الهدايا في ليلة واحدة لجميع الاطفال، هذا خرافي». وإذا سأل الطفل أسئلة أخرى عنه، يمكن التفسير له أنّ بابا نويل هو شخص خرافي وهو يضفي الفرحة والبهجة عند الأطفال الصغار وهو غير حقيقي. كما يمكن للأهل أن يستخرجوا من شخصية «بابا نويل» دروساً يتعلمها الطفل ومنها:
أولاً، يجب أن يفهم الطفل معنى العيد وعدم التلهي بالهدايا فقط. يجب تفسير أهمية عيد الميلاد وهو إعطاء الهدايا للفقراء ومساعدة المحتاجين وليس فقط طلب الهدايا من الأهل. ولكن طبعاً يجب الإبتعاد عن المواعظ أو عدم السماح للطفل عيش فرحة وسحر العيد.
ثانياً، مساعدة الطفل، خصوصاً الذي لم يعتد مشاركة الأطفال الآخرين ما لديه من ألعاب… أن يتقاسم أغراضه مع إخوته وأخواته وأصدقائه. فمثلاً يمكن تشجيع الطفل المحب لذاته على تقديم هدايا من هداياه القديمة أو أن يختار هدية جديدة ويعطيها لطفل محتاج. كما يجب التفسير لجميع الأطفال دون إستثناء قصة حياة القديس نيكولاس، فقصة حياته مثيرة وفيها المعنى الحقيقي ليوم العيد.
وقد يشعر بعض الأهالي بالذنب إذا أخبروا أطفالهم عن حقيقة سانتا كلوز. طبعاً هذا الشعور غير مبرر لأنّه عاجلاً أم آجلاً، سيكتشف الطفل ذلك، لكن من الأفضل أن يخبره الأهل بذلك لأسباب تربوية بحتة، خصوصاً للحفاظ على صلة الثقة مع الطفل.
د.أنطوان الشرتوني
الجمهورية