في كلمته إلى أعضاء اللجنة اللاهوتية الدولية، الذين استقبلهم اليوم الخميس، أراد البابا فرنسيس التشديد على عدد من المواضيع، من بينها الأمانة الإبداعية للتقاليد، الانفتاح على المواد والتخصصات المختلفة، أهمية المجمعية، الإصغاء والحوار والتمييز.
استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس أعضاء اللجنة اللاهوتية الدولية. وفي بداية حديثه شكر الأب الأقدس الكاردينال لويس فرنسيسكو لاداريا فيرير رئيس اللجنة على كلمته، كما ووجه شكره إلى الجميع وذلك على السخاء والكفاءة والشغف المميِّزة لخدمتهم. وتابع قداسته متوقفا عند تأمل أعضاء اللجنة وتعمقهم في ثلاثة مواضيع، وهي أولا المعاصرة المثمرة دائما للإيمان الكريستولوجي لمجمع نيقية وذلك مع مرور ١٧٠٠ سنة على هذا المجمع، ثم يأتي الموضوع الثاني وهو دراسة بعض القضايا الانثروبولوجية البارزة اليوم والتي لها أهمية كبيرة لمسيرة العائلة المسيحية في ضوء مخطط الخلاص الإلهي، وأخيرا الموضوع الثالث أي التعمق، الذي هو اليوم أكثر إلحاحا، في لاهوت الخلق انطلاقا من الثالوثية وذلك في إصغاء لصرخة الفقراء وصرخة الأرض حسب ما ذكر الأب الأقدس. وتابع البابا أن اللجنة اللاهوتية الدولية وبتعمقها في هذه المواضيع الثلاثة بالتزام متجدد تواصل خدمتها، وقال لضيوفه إنهم مدعوون إلى إكمال هذه الخدمة في ضوء المجمع الفاتيكاني الثاني الذي يشكل البوصلة الآمنة لمسيرة الكنيسة والتي هي بمثابة السر، أي العلامة والأداة في الاتحاد الصميم بالله ووحدة الجنس البشري برمته حسب ما جاء في الوثيقة المجمعية الدستور العقائدي في الكنيسة Lumen gentium نور الأمم.
ومن هذا المنطلق أراد البابا فرنسيس أن يقدم لأعضاء اللجنة اللاهوتية الدولية ثلاثة توجيهات في هذه اللحظة الصعبة لكن المفعمة من جهة أخرى بالوعد والرجاء كثمار لفصح الرب المصلوب والقائم. وكان التوجيه الأول الذي تحدث عنه الأب الأقدس الأمانة الإبداعية للتقاليد والتي تعني تحمل الالتزام بإيمان ومحبة وحزم وانفتاح، وممارسة الخدمة اللاهوتية في إصغاء إلى كلمة الله وحس الإيمان لدى شعب الله، التعليم والمواهب، مع تمييز علامات الأزمنة، وذلك من أجل تقدم التقاليد الروحية بعون الروح القدس. وذكَّر البابا فرنسيس هنا بما قال البابا بندكتس السادس عشر في تعليمه الأسبوعي في ٢٦ نيسان أبريل ٢٠٠٦ حين وصف التقاليد بنهر حي تتواجد فيه الأصول دائما. وتابع البابا فرنسيس عائدا إلى ما كتب في الدستور الرسولي Veritatis gaudium (فرح الحقيقة) أن هذا النهر يروي أراضٍ كثيرة ليُنبت أفضل ما في تلك الأرض وتلك الثقافة، وهكذا يواصل الإنجيل التجسد في جميع أركان العالم بشكل جديد دائما. وأضاف الأب الأقدس أن التقاليد، أصل الإيمان، إما أن تنمو أو أن تنطفئ، كما وأشار إلى أن التقاليد هي التي تجعل الكنيسة تنمو من الأسفل إلى الأعلى كما شجرة. حذر الأب الأقدس من جهة أخرى من التشبث بالتقاليد وبالتالي من خطر العودة إلى الوراء.
ثم انتقل قداسة البابا إلى التوجيه الثاني أي أهمية الانفتاح بحذر على التخصصات المختلفة، وذلك بفضل التشاورات مع المتخصصين غير الكاثوليك أيضا حسب ما ينص عليه النظام الداخلي للجنة اللاهوتية الدولية. وذكَّر البابا فرنسيس بحديثه عن هذا الأمر في الدستور الرسولي المذكور حين أعرب عن الرجاء في الاستفادة من مبدأ تداخل التخصصات، وذلك لا من مجرد كونه مقاربة تساهم في فهم أفضل للمواضيع قيد الدراسة من وجهات نظر متعددة، بل من شكله القوي المتمثل في تخمر المعارف كافة داخل نور الحياة الذي تقدمه الحكمة التي يشعها الوحي الإلهي.
أما التوجيه الثالث الذي أراد البابا فرنسيس تسليط الضوء عليه لأعضاء اللجنة اللاهوتية الدولية فكان المجمعية. وقال إنها تتمتع بأهمية خاصة ويمكنها أن تقدم إسهاما خاصا في إطار المسيرة السينودسية التي دُعي إلى المشاركة فيها شعب الله بكامله. وذكَّر قداسته هنا بما جاء في وثيقة صدرت عن اللجنة اللاهوتية الدولية حول السينودسية في حياة الكنيسة ورسالتها، حيث تم التشديد على أن خدمة اللاهوت أيضا، مثل أية دعوة مسيحية، إلى جانب كونها فردية فهي أيضا جماعية ومجمعية. وتحدثت الوثيقة عن أن السينودسية الكنسية تفرض على اللاهوتيين العمل بشكل سينودسي من خلال تعزيز القدرة على الإصغاء والحوار والتمييز والتكامل بين الإسهامات المتعددة والمتنوعة.
هذا وأراد البابا فرنسيس في كلمته التشديد على ضرورة تطلع اللاهوتيين إلى التوجه إلى ما هو أبعد. وتوقف هنا عند الفرق بين معلم التعليم المسيحي واللاهوتي، فالمعلم عليه أن يعرِّف بالعقيدة الصحيحة، الراسخة، لا الجديد المحتمَل الذي قد يكون البعض منه جيدا، أما اللاهوتي فيخاطر بالتوجه إلى ما هو أبعد وسيكون التعليم ما سيوقفه، فاللاهوتي يقوم بالبحث ويسعى إلى الشرح الأفضل للاهوت. حذر قداسة البابا في المقابل من تقديم تعليم مسيحي للأطفال أو للأشخاص يتضمن عقائد جديد غير أكيدة. ثم أراد التذكير بأن هذه التفرقة بين معلم التعليم المسيحي واللاهوتي ليس هو مَن فكر فيها، بل هي للقديس إغناطيوس دي ليولا.
وفي ختام كلمته إلى اللجنة اللاهوتية الدولية تمنى البابا فرنسيس لضيوفه عملا جيدا ومثمرا، وذلك بروح الإصغاء المتبادل والحوار والتمييز الجماعي والانفتاح على صوت الروح القدس. وتابع قداسته مشيرا إلى الأهمية الكبيرة للمواضيع الموكلة إليهم في هذه المرحلة الهامة من إعلان إنجيل التي يدعونا الرب إلى عيشها ككنيسة في خدمة الأخوّة الجامعة في المسيح. وأضاف أن هذه المواضيع تدعونا إلى التحلي بشكل كامل بنظرة التلميذ الذي يدرك، وبتعجب جديد دائما، أن المسيح بكشفه لنا عن سر الآب وعن محبته يكشف للإنسان ذاته ودعوته السامية. وهكذا يعلمنا المسيح أن الشريعة الأساسية للكمال الإنساني وبالتالي أيضا لتغيير العالم هي وصية المحبة. وأراد البابا فرنسيس التشديد على كلمة تعجُّب معربا عن قناعته بأهميتها لأساتذة اللاهوت أكثر من الباحثين في هذا المجال، ودعا إلى التساؤل إن كانت دروس اللاهوت تثير التعجب لدى من يتابعونها، فهذا معيار جيد يمكن أن يكون مفيدا، قال الأب الأقدس. ثم بارك الجميع سائلا إياهم الصلاة من أجله، ولفَت الأنظار إلى أنه قد يكون من الأهمية زيادة عدد النساء في اللجنة، لا كموضة، بل لتمتعهن بنظرة مختلفة ولكونهن يجعلن اللاهوت شيئا أكثر عمقا.