“نحن مدعوون لكي نواجه تحديات عالمنا بمسؤولية وشفقة. ويمكننا أن نقوم بذلك إذا اعتنينا ببعضنا البعض وإذا اعتنينا جميعًا ببيتنا المشترك” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي في عيد القدّيسة مريم والدة الله
لمناسبة احتفال الكنيسة بعيد العذراء مريم أم الله، في الأول من كانون الثاني يناير من كل عام، تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع وفود الحجاج والمؤمنين في الفاتيكان، وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها توكل بداية العام الجديد إلى مريم الكلية القداسة، التي نحتفل بها اليوم كوالدة الإله. ونطلب في هذه الساعات شفاعتها بشكل خاص للبابا الفخري بندكتس السادس عشر الذي ترك صباح أمس هذا العالم. نتّحد معًا جميعًا، بقلب واحد ونفس واحدة في رفع الشكر إلى الله على عطيّة هذا الخادم الأمين للإنجيل والكنيسة. فيما لا نزال نتأمّل مريم في المغارة التي ولد فيه يسوع، ويمكننا أن نسأل أنفسنا: بأي لغة تتحدث إلينا العذراء القديسة؟ ما الذي يمكننا أن نتعلمه منها لهذا العام الذي يُفتتح؟
تابع البابا فرنسيس يقول في الواقع، إذا نظرنا إلى المشهد الذي تقدمه لنا الليتورجيا اليوم، نلاحظ أن مريم لا تتكلم. هي تقبل بذهول السر الذي تعيشه، وتحفظ كل شيء في قلبها، ولاسيما، تقلق بشأن الطفل الذي – كما يقول الإنجيل – كان “مُضْجَعًا في المِذوَد”. إنَّ فعل “مُضجع” يعني موضوع بعناية، ويخبرنا أن لغة مريم هي لغة الأمومة: العناية بالطفل بحنان. هذه هي عظمة مريم: فبينما كانت الملائكة تحتفل، جاء الرعاة مسرعين وكانوا جميعهم يمجدون الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا، مريم لا تتكلم، ولا تُسلّي الضيوف شارحةً ما حدث لها، هي لا تلفت الانتباه إلى نفسها، بل تضع الطفل في المحور وتعتني به بحب. كتبت إحدى الشاعرات أن مريم “كانت تعرف أيضًا أن تصمت بجلال، […] لأنها لم تكن تريد أن يغيب إلهها عن نظرها”.
أضاف الأب الأقدس يقول هذه هي اللغة النموذجية للأمومة: حنان الاهتمام. في الواقع، بعد أن تحمل الأمهات في أحشائهنَّ عطيّة معجزة سريّة لمدة تسعة أشهر، يواصلنَ في وضع أطفالهن في محور الاهتمام: فيطعمونهم، ويحملونهم بين أذرعهنَّ، ويضجعونهم في المهد. العناية – هذه هي أيضًا لغة والدة الإله.
تابع الحبر الأعظم يقول أيها الإخوة والأخوات، مثل جميع الأمهات، تحمل مريم الحياة في حشاها، وتحدِّثنا هكذا عن مستقبلنا. لكنها تذكرنا في الوقت عينه أنه إذا كنا نريد حقًا أن يكون العام الجديد جيدًا، وإذا أردنا أن نعيد بناء الرجاء، علينا أن نتخلّى عن اللغات والتصرفات والخيارات المستوحاة من الأنانية وأن نتعلم لغة الحب، التي هي العناية والاهتمام. هذا هو الالتزام: أن نعتني بحياتنا، بزمننا، بأرواحنا؛ أن نعتني بالخليقة والبيئة التي نعيش فيها؛ والأكثر من ذلك، أن نعتني بقريبنا، وبالذين وضعهم الرب بقربنا، وكذلك بالإخوة والأخوات المعوزين الذين يسائلون انتباهنا وشفقتنا. باحتفالنا اليوم باليوم العالمي للسلام، ندرك مرة أخرى المسؤولية الملقاة على عاتقنا لكي نبني المستقبل: إزاء الأزمات الشخصية والاجتماعية التي نعيشها، وإزاء مأساة الحرب، نحن مدعوون لكي نواجه تحديات عالمنا بمسؤولية وشفقة. ويمكننا أن نقوم بذلك إذا اعتنينا ببعضنا البعض وإذا اعتنينا جميعًا ببيتنا المشترك.
وختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي بالقول لنرفع صلاتنا إلى مريم الكلية القداسة، والدة الله، لكي تجعلنا في هذا العصر الملوث بالريبة واللامبالاة قادرين على الشعور بالشفقة والعناية، وقادرين على التأثر والتوقّف أمام الآخر عند الضرورة.